للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على انطلاق زيد، فلم يجز أن تقول: " حسبت زيدا " وتسكت؛ لأن المحسبة لم تقع على زيد فلا يجوز أن تأتي بما لم تقع عليه المحسبة، وتترك ما وقعت عليه المحسبة ولا يجوز أن تقول: حسبت منطلقا وتسكت؛ لأن الانطلاق الواقع عليه المحسبة إذا لم يكن مسندا إلى صاحب فلا فائدة فيه؛ ألا ترى أنك تقول: " زيد منطلق "، تكون الفائدة للمخاطب في الانطلاق؛ لأن المخاطب قد عرف " زيدا "، ولا يجوز مع هذا أن تفرد أحدهما من دون الآخر، فتقول: " زيد " أو تقول: " منطلق "؛ لأنك إذا قلت: " زيد " فلا فائدة فيه إذ لم تخبر عنه بخبر. وإذا قلت: " منطلق " فلا فائدة فيه؛ إذا لم تذكر الذي له الانطلاق.

فهذه الأفعال إنما دخلت على مبتدإ وخبر، فلم يجز الاقتصار على أحدهما، كما لم يجز الاقتصار على المبتدإ، ولا على الخبر. ويجوز ترك المفعولين جميعا والاقتصار على الفاعل كقولك: " ظننت "، و " حسبت "؛ لأنك لم تأت باسم يحتاج إلى خبر، ولا خبر يحتاج إلى صاحب، وإنما جئت بالفعل والفاعل فكان الفعل خبرا عن الفاعل، وتم الكلام.

وفي بعض أمثال العرب: " من يسمع يخل "، فلم يأت " ليخل " بمفعول.

فإن قال قائل: فما الفائدة في قولنا: " ظننت، وخلت "، إذا لم تأت بالمفعولين؟

قيل له: الفائدة فيه: أنه وقع منه ظن، ومخيلة، كما تقول: أكلت، وشربت "، فتكون الفائدة أنه وقع منه أكل، ولا تذكر منه المأكول والمشروب.

وجميع الأفعال التي تجري هذا المجرى أربعة عشر فعلا: منها سبعة أفعال قد سميّ فاعلوها، وسبعة أفعال لم يسمّ فاعلوها.

فأما السبعة الأفعال التي سمي فاعلوها فهي: " ظننت، وحسبت، وخلت، ورأيت من رؤية القلب-، ووجدت- من وجود القلب- وعلمت وزعمت ... ".

وأما السبعة التي لم يسم فاعلوها فهي: " أعلمت، وأريت، ونبئت، وأنبئت، وخبّرت، وأخبرت، وحدّثت ".

فأما ظننت وحسبت وخلت فمعناها واحد، وهو أن تتصور الشيء من غير استثبات ولا دليل عليه، وقد يكون ل " ظننت " فقط، من هذه الثلاثة الأفعال مذهب يتعدى فيه إلى مفعول واحد، وهو أن تقول: " ظننت زيدا "، بمعنى: اتهمت زيدا، ومنه

<<  <  ج: ص:  >  >>