للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليقين، أو بعد ما يبتدئ، وهو يريد اليقين ثم يدركه الشك، كما تقول: " عبد الله صاحب ذاك بلغني "، وكما قال: " من يقول ذاك تدري "، فأخر ما لم يعمل في أول كلامه. وإنما جعل ذلك فيما بلغه بعد ما مضى كلامه على اليقين).

يعني: " زيد قائم ظننت ".

وقوله: (وبعد ما يبتدئ وهو يريد اليقين).

يعني: " زيد ظننت قائم ".

وقوله: (ثم يدركه الشك).

يكون هذا على أحد وجهين: إما أن يبتدئ كلامه وليس في قلبه منه مخالجة شك، فإذا مضى كله أو بعضه على لفظ اليقين يعني: " زيد قائم ظننت " لحقه فيه الشك، كما تقول: " عبد الله أمير "، على طريق الإخبار بذلك، و " عبد الله صاحب ذاك "، وأنت لم تشاهده، وإنما خبرت به، فيجب أن تستظهر في خبرك، فتقول: " بلغني " أي: هذا الذي قلته فيما بلغني، لا فيما شاهدته. ولو قدمت " بلغني " لم يجز أن تقول: " بلغني عبد الله أمير "؛ لأن " بلغني " فعل ولا بد له من فاعل، و " عبد الله أمير " جملة، ولا تكون فاعله، ولكن تقول: " بلغني إمارة عبد الله "، و " بلغني أن عبد الله أمير ". وإذا قلت: " عبد الله صاحب ذاك بلغني "، ففاعل " بلغني " مضمر فيه، كأنك قلت: " بلغني ذاك الأمر، أو ذاك البلاغ "، كما تقول: " من يقول ذاك بلغني "، كما تقول: " من يقول ذاك تدري؟ " مستفهما، فيرتفع بالابتداء، " ويقول " خبره، و " تدري " ملغي، ولو قدمته لعمل " تدري " في " من "، وصارت " من " بمعنى الذي، وخرجت عن الاستفهام.

وقد يقول القائل: " زيد ظننت قائم "، و " زيد قائم ظننت "، وهو في أول كلامه شاك، غير أنه لا يعمل الشك، كما يقول القائل: " زيد أمير "، وهو يضمر " عندي " أو " في ظني "، فإذا جاز هذا، جاز أن يظهر ما أضمر، ويكون الكلام على حاله، كما قال الله تعالى: قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ (١)، فقال المسؤول: " لبثت يوما أو بعض يوم " على ما كان عنده الأغلب.

قال: (فإذا ابتدأ كلامه على ما في نيته من الشك أعمل الفعل قدم أو أخّر، كما


(١) سورة البقرة، آية: ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>