قال: (ولم يجعلوها ذلك في: " حسبت، وخلت، وأرى "؛ لأن من كلامهم أن يدخلوا المعنى في الشيء لا يدخل في مثله).
يعني: أنهم لم يقتصروا في " حسبت وأرى وخلت على مفعول واحد كما فعلوا ذلك في الظن، واتسعوا في " ظننت "؛ لأنها أكثر دورا في ألسنتهم وهم لها أكثر استعمالا، وقد ذكرنا ما يكون له حكم في كلام العرب لا يكون لنظائره، وسيأتي من بعد إن شاء الله تعالى.
قال: (وسألته عن أيهم؛ لم لم يقولوا: أيهم مررت به؟ فقال: لأن " أيهم " هو حرف الاستفهام، ولا تدخل عليه الألف، وإنما تركت الألف استغناء فصارت بمنزلة الابتداء، ألا ترى أن حد الكلام أن يؤخر الفعل فتقول: " أيهم رأيت "، كما تفعل ذلك في أما، فهي نفسها بمنزلة الابتداء).
قال أبو سعيد: أمّا قوله: (وسألته).
يعني: الخليل وكذلك كل ما كان مثله في الكتاب إذا لم يتقدم ذكر إنسان.
وأما قوله:(أيهم مررت به).
فالاختيار أن تقول: " أيهم مررت به " و " أيهم ضربته ". فقال قائل: لم لم يجز النصب وهو استفهام، كما اختير في قولك: " أزيدا ضربته "؟
فقال: لأنا إذا قلنا: " أزيدا ضربته "، فحرف الاستفهام منفصل من زيد وهو أولى بالفعل، فأضمرنا بينه وبين " زيد " فعلا ينصبه. و " أيهم " لم يدخل عليها حرف، وإنما صيغ له لفظه الاستفهام ولم يكن فيه حرف هو أولى (بالفعل) فصار بمنزلة " زيد ضربته " في الاختيار. ومن قال: " زيدا ضربته " على إضمار " ضربت زيدا ضربته "، قال: " أيهم مررت به " و " أيهم ضربته " على تقدير: " أيهم لاقيت مررت به " و " أيّهم ضربت ضربته " فتضمر بعده فعلا ينصبه؛ لأنه استفهام.
وأما قوله:(وتركت الألف استغناء).
يعني: لم تدخل ألف الاستفهام على " أي " في حال الاستفهام بها ونظيرها " من " و " ما " و " كيف " وسائر الأسماء التي يستفهم بها، وكان حكمها عند سيبويه أن تدخل ألف