للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنه لم يذكر، والنحويون يقولون: إن التقدير فيه تنحية الأول- وهو المبدل منه- ووضع البدل مكانه وليس تقديرهم تنحية الأول على معنى الإلغاء له، وإزالة الفائدة به ولكن على أن البدل قائم بنفسه، غير مبين للمبدل منه تبيين النعت للمنعوت الذي هو تمام للمنعوت، والدليل على أن المبدل منه لا يلغي أنك تقول: " زيد رأيت أباه عمرا " وتجعل " عمرا " بدلا من " أباه "، فلو كان في تقدير اللغو لكان الكلام زيد رأيت عمرا، وهذا فاسد محال؛ فقد صح أن البدل غير منحّ للأول حتى يكون بمعنى الملغى.

فإن قال قائل: فلأي شيء دخل؟ قيل له: قد يكون للشيء الواحد أسماء من معان يشتق له منها تلك الأسماء فيجوز أن يشتهر ببعض الأسماء عند قوم، وببعض أسمائه عند آخرين، فإذا جمع الاسمين جميعا على طريق بدل أحدهما من الآخر، فقد بينه بغاية البيان، وذلك أنه إذا قال: " زيد رأيت أباه عمرا " فقد يجوز أن يكون المخاطب يعرف أبا زيد ولا يعلم أنه عمرو، وقد يجوز أن يكون عارفا بعمرو، ولا يعرف أبا زيد من هو، فإذا أتى بالأمر جميعا عرفه من وجه آخر.

وإذا قال: " رأيت زيدا رجلا صالحا " يجوز أن يكون غرضه أن يبين للناس مروره برجل صالح، ويبين أيضا أنه زيد، وليس كل من عرف أنه زيد عرف أنه رجل صالح، فأتى بالعلم الذي يعرف به، وبالمذهب الذي هو عليه؛ ليجتمع له بذلك غرضه، فهذا هو القصد في البدل.

وهو يشتمل على أربعة أوجه:

فالوجه الأول: بدل الشيء من الشيء، وهو هو، كقولك: " مررت بزيد رجل صالح "، و " مررت برجل صالح زيد ".

والوجه الثاني: بدل الشيء من الشيء وهو بعضه، كقولك " رأيت زيدا وجهه " و " أتاني بنو تميم أكثرهم ".

وبدل الشيء من الشيء وهو مشتمل عليه، كقولك: " سلب زيد ثوبه "، و " أعجبني زيد حسنه "، والمشتمل على الشيء هو الذي تصح العبارة عنه بلفظه عن ذلك الشيء، وذلك أنك إذا قلت: " سلب زيد " فقد يجوز أن يكون ذلك وأنت تعني الثوب، وإذا قلت: " أعجبني زيد " فإنما تعني كلامه أو حسنه، أو ما أشبه ذلك من أفعاله وهيئاته، أو ما يتعلق به؛ ولا يجوز أن تقول: " ضربت زيدا عبده "؛ وذلك أنك لا تقول: " ضربت زيدا "

<<  <  ج: ص:  >  >>