للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: ومن ذلك قوله تعالى: وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً (١).

يعني أنه فصل بين الليل وبين الشمس بسكنا فقوي النصب، وإن كان " جاعل الليل والشمس والقمر " لكان الجر أقوى، ويجوز أن يكون " جاعل " في معنى فعل ماض، ويجوز أن يكون في معنى فعل مستقبل.

فإذا جعلته في معنى الفعل الماضي فتقديره " جعل " الليل، ومعناه قدر الليل لهذا، ونظيره: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ (٢) وهو أظهر الوجهين، وتنصب الشمس والقمر بإضمار فعل.

ومن جعله بمنزلة المستقبل فهو على تقدير " يجعل "، وذلك لأنه فعل لم ينقطع؛ لأن الليالي متصلة، منها ما قد كان، ومنها ما يكون، فهو بمنزلة قولك " زيد يأكل " إذا كان في حال أكل قد تقضّى بعضه وبقي بعضه، وكذلك " زيد يصلّي " إذا كان في صلاة تقضّى بعضها وبقي بعضها.

قال: وكذلك إن جئت باسم الفاعل الذي تعداه فعله إلى مفعولين، وذلك قولك: " هذا معطي زيد درهما وعمرو " إذا

لم تجره على الدرهم، والنصب على ما نصب عليه ما قبله.

يعني أنك تجر " عمرا " إذا أجريته على زيد، ولم تجره على الدرهم، بأن تنصبه على إضمار فعل، وذلك أن قولنا " هذا معطي زيد درهما " تنصب الدرهم فيه على إضمار فعل؛ لأن " معطي " في معنى الفعل الماضي، فكأنك قلت: أعطاه درهما، فإذا نصبت عمرا فقد أجريته على الدرهم في إضمار فعل ينصب، وقد ذكرنا أنه يجوز أن يكون اسم الفاعل الذي في معنى الفعل الماضي ينصب المفعول الثاني إذا أضيف إلى الاسم الذي يليه؛ بالشبه الذي بين الفعل الماضي وبين الاسم الذي أوجب له البناء على الفتح، وقولك: " هذا معطي زيد درهما وعمرا " أقوى في النصب من قولك: " هذا معطي زيد وعمرا "؛ لفصل الدرهم بينهما.


(١) سورة الأنعام، آية: ٩٦.
(٢) سورة يونس، آية: ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>