قال: وهذا بيّن لأن رجلا شائع في الجنس، والرجال للجنس، فأقاموا " رجلا " مقام الرجال.
قال سيبويه:(كما استخفوا بحذف الألف واللام استخفوا بترك بناء الجمع، واستغنوا عن الألف واللام اللتين في قولهم: خير الرجال وأول الرجال).
وقد تقدم هذا المعنى وشرحه؛ لأنهم يقولون:" خير الرجال " فتكون الألف واللام مع الجمع؛ لأن الذي يستوعب الجنس كله لفظ الجمع، ودخلت الألف واللام لتعريف الجنس، لأن الجمع بلا ألف ولام لا يدل على كل جنس، وإنما يدل على كل جماعة من الجنس، ألا ترى أنه يقال لكل ثلاثة من الرجال:" رجال " فإذا أدخلت الألف واللام تعرف على أحد معنيين: إما أن تدخلا على رجال معهودين، فيتعرفوا بدخولهما، وإما أن يكون دخولهما على حد تعريف الجنس، فإذا قلت:" زيد خير الرجال " فهذا اللفظ على حقه وأصله في الكلام، فإذا أرادوا التخفيف نزعوا الألف واللام، وغيّروا بناء الجمع إلى الواحد؛ لأن الواحد الشائع دال على النوع، مغن عن لفظ جماعة تدل على ذلك، فلم يؤثروا غيره في حال الاختصار والاستخفاف؛ لأنه أخف ألفاظ الجنس، وهو مغن عن غيره، فأما أن تدخل الألف واللام وتجمع، فتعطي الكلام حقه وأصله، وإما أن تختصر وتوجز فتكتفي بالواحد المنكور، فاعرف ذلك إن شاء
الله.
قال سيبويه:" ومثل ذلك في ترك الألف واللام وبناء الجمع قولهم: عشرون درهما، وإنما أرادوا عشرين من الدراهم، فاختصروا واستخفوا "
قال أبو سعيد: اعلم أن المقادير كلها محتاجة إلى إبانتها بالأنواع؛ لأنها تقع على الأشياء كلها، فإذا قلت:" عندي عشرون " احتمل أن يكون من الدراهم ومن الدنانير والثياب والعبيد، وغير ذلك من الأنواع، فإذا أردت إبانة ذلك لم يكن بدّ من ذكر النوع الدال على المقدار الذي ذكرته، وقد تقدم القول أن النوع حكمه أن يعرّف مجموعا بالألف واللام، فأما جمعه فلأنه واقع على كل واحد من ذلك الجنس، فهو إذا واقع على جماعة، وأما دخول الألف واللام فليتعرّف أنه أريد به الجنس، فيكون معرّفا به، فكان وجه ذلك أن تقول:" عشرون من الدراهم "؛ لأن النون قد فصلت، وليس " العشرون " عاملة في المعارف، فلو قلت ذلك لكنت قد أتيت بالكلام على وجهه وحقيقته، إلا أنه