للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون: عشرة آلاف، فلما كانت عشرته على قياس ثلاثته أجروه مجرى: " ثلاثة أثواب "؛ لأنهم قالوا: عشرة أثواب، فإذا قلت: ثلاثمائة، فحكم المائة بعد إضافة الثلاثة إليها أن تضاف إلى واحد منكور، كحكمها حين كانت منفردة ويجوز أن تنوّن وتميّز بواحد كما قيل: " مائتان عاما ".

وأما قوله تعالى: ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (١) فإن أبا إسحاق الزجاج (٢) زعم أن سنين منتصبة على البدل من ثلاثمائة، ولا يصح أن تنتصب على التمييز؛ لأنها لو انتصبت على التمييز فيما قالوا، لوجب أن يكونوا قد لبثوا تسعمائة سنة، كما أنك إذا قلت: " عشرون رماحا " فكل واحد منها رماح، فيكون " عشرون رماحا " ستين رمحا أو أكثر، وليس ذلك معنى الآية، وقبيح أن تجعل " سنين " نعتا لها؛ لأنها جامدة ليس فيها معنى فعل.

وقال الفراء: يجوز أن تكون سنين منصوبة على التمييز، كما قال عنترة:

فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا كخافية الغراب الأسحم (٣)

ويروى: سود.

قال: فقد جاء التمييز " سودا " وهي جماعة، قال أبو سعيد ولأبي إسحاق أن يفصل بين هذا وبين سنين؛ لأن سودا إنما جاء بعد المميز، فيجوز أن يحمل على اللفظ مرة وعلى المعنى مرة، كما تقول: " كلّ رجل ظريف عندي "، وإن شئت قلت: " ظريف " فتحمله مرة على اللفظ ومرة على المعنى، وليس قبل " سنين " شيء وقع به التمييز، فتكون " سنين " مثل " سودا ".

واعلم أن " مائة " ناقصة بمنزلة " رئة " و " إرة " فلك أن تجمعها فتقول: " مئون " في حال الرفع، ومئين في حال النصب والجر، وإن شئت قلت: مئين، فجعلت الإعراب في النون وألزمته الياء، وإن شئت قلت: مئات، كما تقول: " ديات ".

وأما قول الشاعر:


(١) سورة الكهف، آية: ٢٥.
(٢) أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج كانت صناعته خرط الزجاج فلزم أبا العباس المبرد حتى صار من كبار النحاة وتوفي عام ٣١١ هـ نزهة الألباء ٢٤٤.
(٣) البيت من معلقة عنترة ديوانه ١٣ (ط بيروت) ابن يعيش ٣/ ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>