للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما أراد أن الرجل في قيد وسلسلة في النهار، فكذلك المعنى صيد عليه الوحش في يومين.

قال: (ومن ذلك أيضا أن تقول: " كم ولد له؟ " فيقول: " ستون عاما "، والمعنى ولد له الأولاد، وولد له الولد ستين عاما).

فحذف الأول وأقام الستين مقام الأولاد اتساعا.

ومن ذلك أن يقول: " كم ضرب به "؟ فتقول: " ضرب به ضربتان " و " ضرب به ضرب كثير ".

فمعنى " كم " هاهنا معنى المصدر، كأنه قال: " كم ضربة ضرب به " يريدكم ضرب بزيد، وفي " ضرب " ضمير يعود إلى " كم " قد أقيم مقام الفاعل وهو مصدر: فلذلك كان جوابه: " ضرب به ضربتان "، فسبيل المصدر في الاتساع كسبيل الظرف؛ لأنك إذا قلت:

" ضرب بزيد ضرب شديد " فالضرب ليس بمضروب في الحقيقة، وإنما المضروب الذي وقع به الضرب، وجعلت الضرب مفعول: " ضرب " مجازا.

قال: (ومما جاء على اتساع الكلام والاختصار قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها (١) وإنما يريد أهل القرية فاختصر، وعمل الفعل في " القرية " كما كان عاملا في " الأهل " لو كان هاهنا).

وقد بينا حذف المضاف والاكتفاء بالمضاف إليه فيما مضى، وإنما ذكره سيبويه حجة في الاتساع والاختصار؛ لأن المسألة في اللفظ للقرية والمعنى للأهل، فكذلك قولهم: " ولد له ستون عاما " لفظ " الأولاد " للأعوام، والمعنى للأولاد في الأعوام، على أن بعض الناس يزعم أن ذلك على الحقيقة، وأن مسألة القرية من " يعقوب " عليه السّلام صحيحة؛ لأن القرية يجوز أن تخاطبه؛ إذ كان نبيّا، وتكون مخاطبتها معجزة له.

ولا معنى للتشاغل بنقض هذا الكلام؛ إذ كان جوازه في كلام العرب وغيرهم أشهر من أن تحتاج معه إلى إقامة دليل.


- اللصوص. المقتضى ٤/ ٣٣ - رغبة الآمل ٨/ ١٢٢.
(١) سورة يوسف، آية: ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>