للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها كلّها، كقولك: " كم سير عليه؟ " فيقول: يوم الجمعة، فالسير واقع في يوم الجمعة كلّه، وكذلك إذا قيل: " كم سير عليه "؟ فيقال: " يومان "، فالسير واقع فيهما، وقد تقول: " كم سير عليه " فيقال: " يوم الجمعة "، والسير واقع في بعضه، إذ كان المجيب مستكثرا للسير في الساعات التي وقع فيها من الجمعة، فيجري اللفظ على الكل وهو يريد البعض، كما تقول: " يوم الرحيل جاءني الخلق " يريد الكثير منهم، وفلان يتكلم دهره، إذا كان كثير الكلام، وإن كان السكوت الذي يكون منه أكثر من الكلام، فاللفظ على الكل والمعنى فيه البعض.

وقوله: " سير عليه الليل والنهار، والدهر، والأبد ".

لا يكون إلا جواب " كم "، لأنه وضع هذه الألفاظ على الأوقات فهي متضمنة للكمية ولم يجعل اسما لوقت بعينه، غير أنه إذا قيل: " سير عليه الليل والنهار والدهر والأبد "، في جواب: كم سير عليه؟ فإنما يريد التكثير والمبالغة، وقد علم أن الدهر لا يتصل فيه السير، ولكنه على ما عرّفتك من قول القائل: " جاءني الخلق " وأنت تريد البعض.

قال: " ومما يدلك على أنه لا يكون أن تجعل العمل فيه في يوم دون الأيام، وفي ساعة دون الساعات؛ أنك لا تقول: " لقيته الدهر والأبد "، وأنت تريد يوما منه، ولا " لقيته الليل وأنت تريد لقاءه في ساعة دون ساعات إلا أن تريد: سير عليه الليل أجمع، والدهر كلّه ".

يعني أن الأبد والدهر، والليل والنهار، إذا كانا على طريق الأبد، والدهر أسماء، جعلت لترادف الأزمنة، وللدلالة على تكثيرها، لا يجوز أن تقول: " لقيته الدهر " وأنت تريد مرة، وإنما يستعمل مثل هذا في الأوقات المحصلة، والتي تميّز عن غيرها. وبيّن أن الفعل وقع فيها دون ما سواها، كقولك " لقيته يوم الجمعة " و " لقيته العام الماضي " وإن كنت لقيته مرة واحدة في يوم الجمعة، وفي العام الماضي؛ لأنك أردت أن تعرف وقت اللقاء، لا مقداره.

قال: " وإن لم تجعله ظرفا فهو عربي كثير في كلامهم ".

يعني إن قلت: " سير عليه الليل والنهار "، فتجعله مفعولا على السعة ثم تقيمه مقام الفاعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>