للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا على معنى " إمّا " ولا يكون على إن الجزاء) كما مرّ في الباب.

قال أبو سعيد: وذلك من قبل أنّا لو جعلنا " إن " ههنا للجزاء لاحتجنا إلى جواب، وذلك أنّ جواب " إن " في ما بعدها، وقد يكون ما قبلها مغنيا عن الجواب إذا لم يدخل عليها شيء من حروف العطف، كقولك: " أكرمك إن جئتني " فإن

أدخلت عليها فاء أو ثمّ بطل أن يكون ما قبلها مغنيا عن الجواب، لا يجوز أن تقول: " أكرمك فإن جئتني " ولا " أكرمك ثم إن جئتني " حتى تأتي بالجواب فتقول: " أكرمك فإن جئتني زدت في الإكرام " فلذلك بطل أن يكون " فإن جزعا " على معنى المجازاة وصارت بمعنى " ألّا " لأنّها تحسن في هذا الموضع، وحذف " ما " للضرورة قال الله عزّ وجلّ: حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً (١). فلم يأت بجواب بعد " إما ".

(ولو قال: " فإن جزع وإن إجمال صبر " كان جائزا كأنك قلت: أمري جزع وإما إجمال صبر ولا يجوز طرح " ما " من " إمّا " إلّا في الشعر قال النمر بن تولب: (٢)

سقته الرّواعد من صيّف ... وإن من خريف فلن يعدما (٣)

فإنما يريد: وإمّا من خريف).

وقد أنكر الأصمعيّ (٤) هذا، وزعم أنّ " إن " في بيت النمر بن تولب هي للجزاء، وإنما أراد وإن سقته من خريف فلن يعدم الرّيّ، ولم يحتج إلى ذكر سقته لذكره في أول البيت وإنّما يصف وعلا، وابتداؤه:

فلو كان من حتفه ناجيا ... لكان هو الصدع الأعصما (٥)

يصف أنه وإن كان في الجبل لا يعدم معاشا به.

والوجه قول سيبويه في بيت النمر، وذلك أنه لا ذكر للرّيّ، وإنما المعنى: سقته


(١) سورة محمد، الآية: ٤.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) شرح المفصل ٨: ١٠٢؛ خزانة الأدب ٩: ٢٥؛ الخصائص ٢: ٤٤٣؛ المنصف ٣: ١١٥؛ منتهى الطلب ١: ١٤٦.
(٤) هو عبد الملك بن قريب بن أصمع بن مظهر أبو سعيد الباهلي الأصمعي إمام في النحو واللغة ولد ١٢٥ هـ. توفي ٢١٠ هـ، الفهرست: ٥٥، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٢: ١٤٧.
(٥) خزانة الأدب ٤: ٤٣٤؛ الخصائص ٢: ٤٤٣ (هامش ٤)؛ منتهى الطلب ١: ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>