للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جعلن في معنى " هلّا " فصحّ ما ذكرناه من موضوع هذه الحروف.

فإن قال قائل: هذه حروف وضعن للأفعال لما فيها من معنى التحضيض فكيف حسن أن تخزل أفعالها ويليها الاسم، ولا يجوز ذلك في قد وسوف وسائر الحروف الموضوعة للفعل، لأنك لا تقول قد زيدا، ولا سوف زيدا بمعنى: قد ضربت زيدا وسوف أضرب زيدا.

قيل له: هذه الحروف الأربعة لما كانت في معنى التحضيض نابت عمّا بعدها من الفعل واستغني عنه، وأمّا قد وسوف فإنهما يغيّر ان معنى الفعل المطلق ويقصرانه على معنى بعينه، لأنّ سوف تقصر الفعل على المستقبل وتخرجه عن الحال، و " قد " لما يتوقع من الفعل فصار بمنزلة الألف واللام للتعريف، فكما أنّ الألف واللام لا يفارقان ما دخلتا عليه ولا يحذف ما بعدهما، كذلك قد وسوف وسائر الحروف الداخلة على الفعل من عوامله فهي

تضعف عن حذف ما بعدها، لأن الحذف دلالة على قوة العامل، وقد مضى نحوه.

قال سيبويه: (وإن شئت رفعت فقد سمعنا رفع بعضه).

يعني أنه " يجوز هلّا خير من ذلك " على إضمار شيء يرفع، كأنك قلت: " هلا كان منك خير من ذلك " أو " هلّا فعل خير من ذلك ".

قال: ومن ذلك قولك: (" أو فرقا خيرا من حبّ " وإنما حمله على الفعل لأنه سئل عن فعله فأجابه على الفعل الذي هو عليه، ولو رفع جاز كأنه قال: أو أمري فرق خير من حب، وإنما انتصب نحو هذا على أنه يكون الرجل في فعل فيريد أن ينقله أو ينتقل إلى فعل آخر، فمن ثمّ نصب " أو فرقا " لأنه أجاب على أفرق وترك الحبّ).

وإنما هذا كلام تكلم به رجل عند الحجّاج، وذلك أنه كان قد فعل له فعلا فاستجاده فقال الحجاج: " أكلّ هذا حبا " أي فعلت كلّ هذا حبّا لي؟ فقال الرجل مجيبا له: " أو فرقا خيرا من حبّ " أي: أو فعلت هذا فرقا؛ فهو أنبل لك وأجلّ.

ثم ذكر أشياء منصوبة بأفعال مضمرة، وقد يجوز رفعها بإضمار ما يرفع، وبعضه مجرور بإضمار ما يجرّ على ما تقدّم تفسيره من هذا الباب، فمن ذلك: أن يقدم رجل من سفر فتقول: خير مقدم؛ على معنى: قدمت خير مقدم، ويجوز أن تقول: خير مقدم؛ على معنى: قدومك خير مقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>