وأما قوله: إيّاك والأسد فإنه يضمر فعلا ينصب به إياك، كما قدّمنا، ويعطف الأسد على إياك كأنه قال: زيدا فاضرب وعمرا.
فإن قال قائل: إذا جعلت الأسد عطفا على إياك بالواو فقد شاركه في معناه. لأن المعطوف بالواو يشارك المعطوف عليه. ألا ترى أنّك تقول: ضربت زيدا وعمرا؛ فالضرب واقع عليهما جميعا، فينبغي أن يكون الأسد مشاركا لإياك؛ فيكون الأسد مشاركا مخوفا كما كان المخاطب، أو يكون المخاطب محذورا مخوفا كما أن الأسد محذور مخوف.
قيل له: لا يستنكر أن يكون التخويف واقعا بهما وإن كان طريق التخويف مختلفا؛ ألا ترى أنك تقول: خوّفت زيدا الأسد؛ فزيد مخوّف والأسد مخوّف وليس معناهما واحدا إلّا أن الأسد مخوّف منه وزيد مخوّف، على معنى أنه يجب أن يحذر منه، ولفظ خوّفت قد تناولهما جميعا، وكذلك إياك والأسد المعنى الناصب لهما معنى واحد وإن كان طريق التخويف مختلفا فيهما.
وأمّا إياك والشر فليس يخاطب نفسه ولا يأمرها، وإنما يخاطب رجلا يقول له:
إيّاك باعد عن الشرّ فينتصب إيّاك بباعد وما أشبهه، وتحذف حرف الجر من الشرّ وتوقع الفعل المقدّر عليه فيعطفه على الأوّل لأنّ الفعل قد وقع على الأول.
ومثله: إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب، يعني: يرميه بسيف أو ما أشبهه، وأن في موضع نصب كأنّه قال: إيّاي وحذف أحدكم.
وزعم الزجّاج (١) أنّ معناه: " إيّاي وإيّاكم وأن يحذف أحدكم الأرنب " والذي قاله لا يحتاج إليه؛ لأن قوله وأن يحذف أحدكم قد دلّ على أنهم حذّروا من فعلهم أن يأتوه إلى المتكلم.
(وزعم أن بعضهم يقال له: إياك، فيقول: إيّاي) كأنّه أعاد لفظ المتكلم لما قيل له منه واستجاب له، كأنّه قال: إياي احذر احفظ، وحذفهم الفعل الناصب لإيّاك لما كثر
(١) هو إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق الزجاج له معاني القرآن توفي ٣١١ هـ معجم الأدباء ١: ١٣٠، الفهرست ٦٠، مراتب النحويين ١٣٦.