للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحوال، وذلك أنك لو قلت: هند خرجت نفسها، فجعلت في خرجت ضميرها، ثم جعلت النفس توكيدا لضميرها في خرجت لجاز أن يتوهّم أن الفعل للنفس فيصير كقولك: هند خرجت جاريتها، فإذا قلت: خرجت هي نفسها، علم أنها توكيد، والعطف بهذه بمنزلة إذا قلت: إياك وزيدا والأسد، فهو مستحسن لأنك عطفت زيدا على المنصوب وهو:

إياك ولو قلت: إياك وزيد لم يحسن حتى تقول: أنت وزيد، كما لم يحسن: اذهب وزيد، حتى تقول: اذهب أنت وزيد، وإن قلت: رأيتك، قلت: ذاك وزيدا بالنصب أحسن في زيد لأنك تعطفه على الكاف في: رأيتك، ولو رفعته لكنت عاطفا على تاء قلت، وهو ضمير مرفوع فلا يحسن، وأنشد سيبويه لجرير:

وإيّاك أنت وعبد المسي ... ح أن تقربا قبلة المسجد (١)

فنصب عبد المسيح بالعطف على إياك، وأنشده يونس منصوبا، ولو رفع كان حسنا أيضا؛ لأن أنت تجعل توكيدا للضمير المرفوع المقدر، فيحسن حينئذ العطف عليه، ولا يجوز أن تقول: إياك زيدا، لأن زيدا لا يخلو من أن تجعله عطفا على إياك، فلا يجوز حذف حرف العطف منه، كما لا يجوز أن تقول: رأيت زيدا عمرا، على معنى رأيت زيدا وعمرا، أو على معنى إياك من زيد، أي اتق نفسك من زيد، واحذر نفسك من زيد، فلا يجوز حذف حرف الجر في هذا الموضع، وكذلك لا تقول: رأسك الجدار، حتى تقول: من الجدار ولو جئت بأن، فقلت: إياك من أن تكلم زيدا، لجاز أن تقول:

إياك أن تكلم زيدا، وذلك أن " أن " الخفيفة والمشددة يجوز طرح حروف الجر منها إذا كانت في صلة فعل؛ لأنها وما بعدها بمنزلة المصدر فطالت فحسن حذف حروف الجر لطولها تخفيفا، كما حسن في الذي حذف العائد مع الفعل، ولو جئت بالمصدر لم يحسن حذف حرف الجر، لا تقول: إياك ضرب زيد كما تقول: إياك أن تضرب زيدا، لأنه لم يطل كطول " أن " وأما قوله:

إيّاك إيّاك المراء فإنّه ... إلى الشّرّ دعّاء وللشّرّ جالب (٢)

فإن سيبويه ذهب إلى أن المراء منصوب بفعل غير الفعل المقدر لإياك، كأنه أضمر


(١) البيت لجرير ديوانه ٢: ١٠٢٧.
(٢) البيت سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>