للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، ومنهم من يقول: كل شيء ولا شتيمة حر؛ فيرفع الأول وينصب الثاني، كأنه قال:

كل شيء أمم ولا تشتمنّ حرّا، أي: كل شيء قصد يحتمل: ولا تشتمنّ حرّا.

وقد ذكر في هذا الباب أشياء فيها حذف لأنها أمثال، واعتمد على أنّ ترك الفعل فيها لأنها أمثال.

فإن قال قائل: ما السبب الذي سوغ الحذف في الأمثال؟

قيل له: أصل الأمثال أن يتكلم الإنسان بحضرة قوم، وفي كلامه من الألفاظ ما يستطرفه بعضهم من الألفاظ فيعيد اللفظ المستطرف، فربما أعاد جملة الكلام، وربما كان على سبب لا يعيده ولا يذكره ولا يتم إلا بذلك السبب، ويقع فيه ضمير ليس في الكلام ما يعود إليه، لأنه المتمثّل استطرفه وتمثّله فلا حاجة به إلى ذكر ما حذف من الكلام لأن المتبقي هو المثل، فمن ذلك قول العرب: " كلاهما وتمرا "، أو " كليهما وتمرا "، وذلك في كلامهم أكثر من أن يحصى، ومما لم يذكره قولهم: " أسعد أم سعيد " (١)، وهو مبتدأ لم يذكر خبره، والمتمثل يذكره في غير سعد

وسعيد في الشيء الذي يبدو ولا يدرى ما هو، فيقال: أسعد أم سعيد معناه: أخير أم شر، وكذلك قولهم: " لكن الأثلاث لحم لا يظلّل " (٢)، وقد علمنا أن لكن لا يبتدأ به ولكن ابتدأه قائل هذا على كلام يجري فترك ذكر الكلام، وكذلك " ثكل أرأمها ولدا " في المثل ضمير ليس فيه ما يعود إليه، ومن العرب من يقول: ديار مية وسائر ما يجيء من ذكر الديار في هذا الموضع، كأنه يقول:

تلك ديار مية، وقال الشاعر:

اعتاد قلبك من سلمى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطّلل

ربع قواء أذاع المعصرات به ... وكلّ حيران سار ماؤه خضل (٣)

كأنه أراد: ذاك ربع.

قال أبو سعيد: ويجوز أن يكون جعل " ربع قواء " بدلا من الطلل، كأنه قال: أهواك ربع قواء، قال ومثله:


(١) يقرب في العناية بذي الرحمة جمهرة الأمثال ١: ١٥٥.
(٢) قاله بيهس في قصة إخوته المقتولين الميداني ١: ٢٦٨، ٣: ١٤٦.
(٣) شرح شواهد المغني ٢: ٣٨٥، نسبهما ل (عمر بن أبي ربيعة)؛ الخصائص ١: ٢٩٧، ٣: ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>