للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلزم الواو الشيئين أن يكون أحدهما بعد الآخر.

ألا ترى أنّك إذا قلت: مررت بزيد وعمرو، لم يكن في هذا دليل أنّك مررت بعمرو بعد زيد.

وصاعد بدل من زاد ويزيد.

وثم بمنزلة الفاء، تقول: ثم صاعدا إلّا أنّ الفاء أكثر في كلامهم).

قال أبو سعيد- رحمه الله-: أمّا قوله: أخذته بدرهم فصاعدا، كأنه متاع قد اشتري بأثمان مختلفة أدناها: درهم. فإذا قال: أخذت كلّ ثوب منها بدرهم فصاعدا، كان أدنى الثمن درهما، ثم يزيد عليه، فالتقدير: أخذت كلّ ثوب منها بدرهم، فزاد الثمن صاعدا، فصار بعضها بدرهم وقيراط، وبعضها بدرهم ودانق، وهذا معنى قوله: ثم قروت شيئا بعد شيء لأنه مأخوذ من: قروت الأرض، إذا أنبتّ قطعة منها بعد قطعة على جهة التتبّع لشيء فيها، ومنه قولهم: الاستقراء للكتب وللمعاني، واستقرأت الكتب والمعاني على جهة التتبع لها، والفكر فيها، ولا يحسن أن تقول:

أخذته بدرهم فصاعد، من جهتين:

إحداهما: أنّ صاعدا نعت، ولا يحسن أن تعطف على الدرهم إلّا المنعوت.

والجهة الأخرى: أنّ الثمن لا يعطف بعضه على بعض بالفاء، لا تقول: أخذت الثوب بدرهم فدانق، ولا اشتريت الدار بمائة درهم فخمسة دراهم، لأن الثمن تقع جملته عوضا عن المبيع، فليس يتقدم بعضه على بعض، وإنما يعطف بالواو لأنها للجمع، تقول:

اشتريته بمائة وخمسة، ونحو ذلك، وإنما هو على ما فسّرته لك، أنّك أخذت بعضه، ثم زاد الثمن في بعض، وتقديره: فزاد الثمن صاعدا، ينتصب على الحال، وبدرهم فزائدا، على تقدير: فصعد الثمن زائدا.

وفرّع أصحابنا على هذا فقالوا: يجوز أن تقول: مررت بزيد وخالد، وبزيد وخالدا، عطفا على موضع الباء، فإن قلت: مررت بزيد وخالدا، وأنت تريد: وأكرمت خالدا، لم يجز لأنّ إخراجه عن الباء، ومعناها لا يجوز إلّا بدليل عليه أو ضرورة تقود إليه، ولا يحسن الواو في هذا لأنّ الأثمان المذكورة إنّما يتلو بعضها بعضا، والواو لا تدل على ترتيب الفعل، فلم تجز فيه إلّا الفاء وثمّ، وهما الدليلان على الترتيب، والفاء أكثر في كلام العرب لاتصالها بما قبلها، وثمّ فيها مهلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>