كشيء واحد لاشتراكهما في المضيّ، وإذا ولى " أن " الفعل الماضي فهو ماض لا غير، كما إذا وليها المستقبل، فهو
للاستقبال لا غير، لأجل أنّ الثاني استحقّ بالأول جاز دخول الفاء في الجواب في قوله:
فإنّ قومي لم تأكلهم الضّبع
وجعلوا لزوم " ما " عوضا من حذف الفعل، فلا يحسن ذكر الفعل بعدها لحصول الغرض.
وكان المبرّد يجيز ذكر الفعل بعدها ويجعلها زائدة كزيادتها في قوله تعالى: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ * (١).
وليس على ما قال دليل لأنّها زائدة في هذا الموضع، ثم لزمت عوضا ولم تستعمل إلا على ذلك، وحسن حذف الفعل لإحاطة العلم بأنّ " أن " هذه الخفيفة لا يقع بعدها الاسم مبتدأ، فكان ذلك بمنزلة فعل محذوف لحضور الدلالة عليه.
وأمّا قوله كالعوض في: الزنادقة واليماني. فأصل الزنادقة: الزناديق، واليماني: يمنيّ، والألف في الزنادقة عوض من الياء، والألف في اليماني عوض من إحدى (ياءي) النسب، ونستقصي ذلك في غير هذا الموضع.
ومثل " أن " في لزوم " ما " قولهم: " إمّا لي ".
والأصل فيه: أن الرجل قد يمتنع من أشياء يلزمه أن يفعلها ويسومه إياها سائم فيمتنع منها، فيقنع منه بالبعض فيقال:" إمّا لي فافعل هذا " على معنى إن كنت لا تفعل غيره فافعل هذا، ثم زيدت " ما " كما تزاد في حروف الجر، ثم حذف الفعل لكثرة هذا في كلامهم، وصار " إمّا " مع " لا " كالشيء الواحد عندهم، فأجازوا فيها الإمالة، ولو انفردت " لا " لم تجز فيها الإمالة.
وقولهم:" أثرا ما "، يلزمونه " ما " فلا يكادون يحذفونها منه، ومعناها في قولك: آثرا أن تفعل كذا في معنى: أثر، وهو يريد: أفعل هذا أول شيء، ويقولون: آثر ذي أثير، ومنه قوله:
(١) سورة النساء، الآية: ١٥٥. سورة المائدة، الآية: ١٣.