المعنى المقصود، وهذا إنما يستعمل فيما لا يستعمل الفعل فيه، ولا يحسن إلا في موضع الدعاء به.
ألا ترى أن الإنسان الزائر إذا قال له المزور: مرحبا وأهلا، فليس يريد رحبت بلادك وأهلت.
إنما يريد: أصبت رحبا وسعة وأنسا. لأنّ الإنسان إنما يأنس بأهله، ومن يألفه.
(وقد مثله الخليل أنه بمنزلة رجل رأيته قد سدّد سهما فقلت القرطاس، أي:
أصاب القرطاس، أي: أنت عندي ممّن سيصيبه، وإن أثبت سهمه قلت: القرطاس أي:
قد استحق وقوعه بالقرطاس. قال:
وإذا رأيت رجلا قاصدا إلى مكان أو طالبا أمرا فقلت: مرحبا وأهلا وسهلا، أي: أدركت ذلك وأصبت، فحذفوا
الفعل لكثرة استعمالهم إياه).
قال: ويقول الرّادّ: وبك أهلا وسهلا، وبك وأهلا، فإذا قال: وبك وأهلا فكأنه قد لفظ بمرحبا بك وأهلا وسهلا.
(وإذا قال: وبك أهلا فهو يقول: لك الأهل، أي: عندك الرّحب والسّعة، فإذا رددت فإنّما تقول: أنت عندي بمنزلة من يقال له: هذا لو جئتني وإنما جئت ب " بك " لتبيّن من تعني بعد ما قلت: مرحبا كما قلت: لك بعد سقيا).
قال أبو سعيد: هذا الكلام تقديره أن يقوله الرجل الذي يدخل إذا قال له المدخول عليه: مرحبا وأهلا، فيردّ فيقول: وبك وأهلا كأنه قال: وبك مرحبا وأهلا، وإنما هذه تحية المزور ومن يدخل عليه، يحيي بها الزائر المزور على معنى أنك أصبت عندي سعة وأنسا.
وإذا قال الزائر: وبك أهلا، والحال لا تقتضي من الزائر أن يصادف المزور عنده ذلك فيحمل على معنى: أنك لو جئتني لكنت بهذه المنزلة، وإذا قال: وبك أهلا، فإنما اقتصر في الدعاء له على معنى الأهل فقط من غير أن يعطفه على شيء قبله، كأنّ الرّحب والسّعة قد استقرا استقرارا يغنيه عن الدّعاء، وأمّا مجيئه ب " بك "، فللبيان أنه المعنيّ به لا لأنّه المتصل بالفعل المقدّر كما كان قولك: " سقيا لك "، تقديره: سقاك الله سقيا ولك، كأنّه قال: هذا الدعاء لك على تقدير آخر غير تقدير سقاك الله.
قال: (ومنهم من يرفع فيجعل ما يضمر هو ما يظهر).