للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفعل وجعلت بدلا من اللفظ بالفعل على مذهب أرادوه من الدّعاء، فلا يجوز تجاوزه؛ لأنّ الإضمار والحذف اللازم وإقامة المصادر مقام الأفعال حتّى لا تظهر الأفعال معها ليس بقياس مستمرّ فيتجاوز فيه الموضع الّذي لزموه.

قال: (ومثله عددتك، وكلتك، ووزنتك، ولا تقول: وهبتك، لأنّهم لم يعدّوه، ولكن وهبت لك).

وكان المبرد يقول: إنّما قالوا: عددتك، ووزنتك، وكلتك في معنى: عددت لك، وكلت لك، ووزنت لك، لأنّه لا يشكل، ولم يقولوا: وهبتك في معنى: وهبت لك، لأنّه يجوز أن يهبه، فإذا زال الإشكال زال، وهو أن يقول: وهبتك الغلام، أي: وهبت لك، وإنّما ذكر سيبويه كلام العرب أنّهم يحذفون حرف الخفض في عددتك ووزنتك وكلتك وإن لم يذكر المعدود والمكيل والموزون، كما قال عزّ وجلّ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (١).

ولا يجوز مثل ذلك في وهبتك، لأنّ ما كان أصله متعدّيا بحرف لم يجز حذفه، وإن لم يكن ليس إلا فيما حذفته العرب، ألا ترى أنه لا يجوز مررتك ولا رغبتك على معنى: رغبت فيك، وحكى أبو عمرو الشّيباني (٢) عن بعض العرب: انطلق معي أهبك نبلا، يريد أهب لك نبلا وهذا يؤيد قول أبي العبّاس.

قال سيبويه: (وهذا حرف لا يتكلّم به مفردا إلا أن يكون معطوفا على ويلك، وهو قولك: ويلك وعولك).

وهذا كالإتباع الذي لا يؤتى به إلا بعد شيء يتقدمه، نحو: أجمعين وأكتعين، فإن قال قائل: عولك لا يجري مجرى الإتباع لأمرين:

أحدهما: أن فيه الواو، والإتباع المعروف لا يكون بعد واو.

والآخر: أن عولك معنى معروف، لأنّه من عال يعول، كما تقول جاز يجوز، والعول هو: البكاء، والحزن معروف.


(١) سورة المطففين، الآية: ٣.
(٢) إسحاق بن مراد أبو عمرو الشيباني الكوفي يعرف بأبي عمرو والأحمر وليس من شيبان بل أدب أولادا منهم فنسب إليهم كان راوية أهل بغداد واسع العلم باللغة والشعر له النوادر- النوادر الكبير أشعار القبائل. الفهرست: ٦٨، معجم الأدباء ٦: ٧٧، تهذيب اللغة ١: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>