للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(والحمد وإن ابتدأته فمعناه معنى المنصوب).

وهو إخبار فإذا نصب فمعناه أحمد الله حمدا يخبر عن نفسه بما يفعله من ذلك، وإذا رفع فكأنه قال: أمري وشأني ومقصودي فيما أفعله الحمد لله.

ثم ذكر سيبويه أشياء قد ابتدأت العرب بالنكرة فيها وجّه لها وجها، وذلك قولك:

شيء ما جاء بك، " وشرّ أهرّ ذا ناب "، فذكر أنه حسن ذلك لأن معناه: ما جاء بك إلّا شيء، وما أهرّ ذا ناب إلّا شرّ، فالابتداء في هذا محمول على معنى الفاعل وجرى مثلا فاحتمل.

ومعنى شرّ أهرّ ذا ناب معناه: كأنهم سمعوا هرير كلب في وقت لا يهرّ في مثله إلا بسوء، ولم يكن غرضهم الإخبار عن شرّ، وإنما يريدون أن الكلب أهره شرّ، وكذلك قولهم: شيء ما جاء بك، يقوله الرجل لرجل جاءه ومجيئه غير معهود في ذلك الوقت، ما جاء بك إلا شيء حادث لا يعهد مثله.

ومما يجري مجرى هذا ولم يذكره سيبويه: " شرّ ما جاءك إلى مخة عرقوب "، وشرّ ما أشاءك إلى مخة عرقوب، أي: ألجأك إلى أكل مخة عرقوب، وهو لا خير فيه، شرّ يعني:

جوعا وضرورة شديدة.

ثم قال: (وقد ابتدئ المنكور في الكلام على غير الوجه الذي ذكروا على غير ما فيه معنى المنصوب وهو قولهم: " أمت في حجر لا فيك ").

ومعناه: اعوجاج في حجر لا فيك فحمله سيبويه على أنّه إخبار محض وأن ذلك جاز لأنه مثله.

وقال المبّرد: أرادوا به معنى الدعاء فهو في مذهب المنصوب كأنهم قالوا: جعل الله في حجر أمتا لا فيك.

ومما جاء من نحو هذا ولم يذكره سيبويه قول العرب: " عبد صريخه أمة "، و " ذليل عاذ بقرملة "، ويقال هذا إذا استعان الرجل بضعيف لا نصرة له، ومعنى: صريخه: مغيثه، والقرملة: شجرة على ساق لا تكنّ ولا تظلّ، ولو تأوّل متأوّل هذا أن ذلك إنما جاز لأن في تعجّبا، وقد يجوز أن يقال: عجب لذلك، وقد مضى ذكر جوازه، وعبد صريخه أمة وذليل استعان بقرملة من العجب يحسن ذلك حملا على العجب.

وقد رأيت بعض النحويين يذكر أنّ كلّ نكرة مبتدإ بها من هذا النحو، ففيه معنى

<<  <  ج: ص:  >  >>