للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيرا، وكان عبد الله الدّهر سيرا سيرا، وأنت مذ اليوم سيرا سيرا، وذلك كله إذا أخبرت بشيء متّصل بعضه ببعض في أي الأحوال كان، وإن رفعت قلت: إنّما أنت سير، على معنى: إنما أنت صاحب سير؛ وحذفت الصّاحب وأقمت السّير مقامه.

فإن قلت: ما أنت إلا شرب الإبل، وما أنت إلا ضرب النّاس، جاز في ضرب الناس التنوين؛ فتقول: ما أنت إلا ضربا الناس، ولا تقول: ما أنت إلا شربا الإبل، لأن شرب الإبل ليس من فعلك، ولم ترد: ما أنت إلا شرب الإبل وإنما هو تشبيه، والفعل الذي يشبّه به محذوف، تقديره: ما أنت إلا تشرب شربا مثل شرب الإبل، والمثل في موضوع النعت لشربا فحذفت الشرب وأقمت المثل مقامه وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (١). وهذا الحذف وإن كثر فهو مطرد في القياس في كلام

العرب مفهوم.

وإذا قلت: ما أنت إلا ضربا النّاس فنوّنته؛ فالمعنى: ما أنت إلا تضرب الناس؛ لأنّ فعلك واقع بهم، ونظير ذلك من المصادر المنصوبة: قوله عزّ وجل فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً (٢). على معنى: إما تمنّون منّا وإما تفادون فداء.

وقال جرير:

ألم تعلم مسرّحي القوافي ... فلا عيّا بهنّ ولا اجتلابا (٣)

تقديره: فلا أعيى بهن عيّا ولا أجتلبهنّ، أي: لا أسرق من غيري، كأنّ قائلا قال:

هو عيّا بهن، واجتلابا لهن على معنى: يعيى بهن عيا، ويجتلبهنّ اجتلابا، فنفى على ذلك التقدير بإدخال لا.

(ومثله قولك: ألم تعلم يا فلان مسيري فإتعابا وطردا).

والمسرّح بمنزلة مشترى، والفاء في قوله، فإتعابا وطردا بمنزلة الفاء في قوله:

" فلا عيّا بهن ولا اجتلابا ".

وإنما أراد أني إذا سرحت القوافي اتّصل بتسريحي لها إلا عيّا ولا أجتلب؛ فلذلك أدخل الفاء.


(١) سورة يوسف، الآية: ٨٢.
(٢) سورة محمد، الآية: ٤.
(٣) البيت لجرير: ديوانه: ٥٦؛ الخصائص ١: ٣٦٨، ٣: ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>