للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسعديك مأخوذ من المساعدة والمتابعة، فإذا قال الإنسان لبّيك وسعديك فكأنه قال: دواما على طاعتك وإقامة عليها مرّة بعد مرة وكذلك سعديك، أي: مساعدة لك بعد مساعدة، ومتابعة بعد متابعة، وإنما يعبّر عن هذه الأشياء باللفظ الذي يقرب معناه منه فيمثّل به ويطلب له الاشتقاق وما يقدّر فيه من الفعل لو أتى به آت لم يحسن ولم يك واقعا ذلك الموقع كما وقع سقيا مكان سقاك الله، ورعيا مكان رعاك الله؛ فهذا الذي أحوج سيبويه وغيره إلى تطلّب التّقديرات المقرّبة للمعنى وليوقف على وجه النصب؛ فقال سيبويه مرّة: (كأنه إذا قال الرجل للرّجل: يا فلان، فقال: لبيك وسعديك، فقد قال: قربا منك ومتابعة لك، فهذا تمثيل، وإن كان لا يستعمل في الكلام كما كان براءة الله تمثيل سبحان الله وإن لم يستعمل ذلك استعمال سبحان الله).

وقال مرّة: (وكذلك إذا قال: لبّيك وسعديك يعني بذلك الله تعالى، فكأنه قال:

لا أنأى عنك يا ربّ في شيء تأمرني به، فإذا فعل ذلك فقد تقرّب إلى الله عزّ وجلّ بهواه).

يعني بإرادته وقصده.

(وأما قوله وسعديك فكأنّه يقول: أنا متابع أمرك وأولياءك غير مخالف، فإذا فعل ذلك فقد تابع وطاوع، وإنّما حملنا على تفسير معنى لبيك وسعديك لنوضح به وجه نصبهما لأنّهما ليسا بمنزلة سقيا وحمدا وما أشبه ذلك.

ألا ترى أنّك تقول للسائل في تفسير سقيا وحمدا إنما هو سقاك الله سقيا وأحمد الله حمدا، فحمدا بدل من أحمد، وسقيا بدل من سقاه الله، ولا تستطيع أن تقول: ألبّك لبّا، ولا أسعدك سعدا.

ولا تقول: سعد بدل من أسعد، ولا لبّ من ألبّ، فلمّا لم يكن ذلك التمييز له شيء من غير لفظه معناه كبراءة حين ذكرتها لتبيّن معنى سبحان الله، والتمست للبّيك وسعديك غير اللّفظ الذي اشتقّا منه إذ لم يكونا فيه بمنزلة الحمد والسقي في فعليهما، ولا يتصرفان تصرّفهما، ومعناهما: القرب والمتابعة فمثّلت بهما النصب في سعديك ولبيك كما مثّلت النصب في سبحان الله ببراءة الله).

وممّا يقوّي إفراد حنان أنّ الفعل في حنان قد يستعمل فيقال: تحنّن أي: ارحم، قال الشاعر:

<<  <  ج: ص:  >  >>