للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعض النحويين يقدّره ب " لولا " ومعناه: لولا حذار الشرّ ما تركت السوق، ولولا ابتغاء رزق الله ما خرجت من البيت، وذلك على ضربين:

أحدهما: أن تفعل الفعل تجذب به فعلا آخر، كقولك: احتملتك لاجتذاب مودّتك، ولاستدامة مسالمتك، فهو معنى تجذبه باحتماله.

والوجه الآخر: أن تدفع بالفعل الأول معنى حاصلا، وتجذب به معنى آخر كقولك: فعلت ذاك حذار شرّ زيد؛ كأنّ الحذار معنى حاصل تزيله بفعل ذلك الشيء، وتجذب ضده من الأمر.

ويجوز أن يكون هذا المصدر معرفة ونكرة؛ لأنه ليس بحال فيحتاج فيه إلى لزوم النكرة.

فأما المعرفة: فقولك ذلك لابتغاء الخير وللخوف من زيد.

وأمّا النكرة: فقولك لابتغاء الخير، ولخوف من زيد، ويجوز حذف اللام ونصب الذي بعدها كقولك: قلته ابتغاء الخير، وحذارا من شرّ، والناصب للمصدر الفعل المذكور لا غير، والدليل على ذلك: أن قائلا لو قال: فعلت هذا الفعل لزيد لكانت اللام في صلة الفعل المذكور لا غير، ولم تكن بنا حاجة إلى طلب فعل آخر، فإذا ألقيت اللام وهي في موضع نصب بالفعل وصل الفعل إليه فنصبه، وتدخل " من " في معنى اللام لأنه يجوز أن تقول: خرجت من أجل ابتغاء الخير، واحتملت من أجل خوف الشّر، ومعناهما واحد، وعلى ذلك قوله عز وجل: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ (١) أي لحذر الموت، أو من أجل حذر الموت.

ولو قال قائل: فعلت هذا لزيد، أو من أجل زيد لم يجز حذف اللام، ونصب زيد؛ لأنه يقع في ذلك لبس، وإنما جاز في المصادر لزوال اللبس، ولأنه جواب لم، ولا يحسن أن تقول: لم خرجت؟ فيقول: لزيد؛ لأن موضعه على شيء يطلب حدوثه وليس زيد من ذلك.

وقد أنكر النحويون أن يقام " حذار الشرّ " و " ابتغاء الخير " مقام الفاعل فلم يجيزوا أن يقال: سير بزيد حذار الشّرّ، ولا سير به ابتغاء الرّزق.


(١) سورة البقرة، الآية: ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>