للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب سقيا لا يطّرد فيه القياس، فيقال طعاما وشرابا، وقد ذكر هذا فيما تقدم.

وكان أبو العباس يجيز هذا في كلّ شيء دلّ عليه الفعل فأجاز أن تقول: أتانا سرعة، وأتانا رجلة، ولا تقول: أتانا ضربا ولا أتانا ضحكا، لأن الضرب والضحك ليس من ضروب الإتيان والسرعة، والرّجلة من ضروب الإتيان، لأنّ الآتي ينقسم إتيانه إلى سرعة أو إبطاء أو توسّط، وتنقسم إلى رجلة وركوب، ولا ينقسم إلى الضرب والضحك.

وكان يقول: إنّ نصبك مشيا إنما هو بالفعل المقدّر كأنه قال: أتانا يمشي مشيا، وكان يدّعي أنّ هذا القياس قول النحويين.

وكان الزجاج يذهب إلى تصحيح مذهب سيبويه وهو الصواب؛ لأن قول القائل:

أتانا زيد مشيا يصح أن يكون جوابا لقائل قال: كيف أتاكم زيد؟ وكذلك: كيف لقيت زيدا؟ فتقول: فجاءة، إنما تقع للحال؛ فكأنه قال مفاجئا، ولو كان على ما قال المبرّد: إنّ الناصب للمصدر الفعل المضمر وأن ذلك الفعل المضمر في موضع الحال لجاز أن تقول:

أتانا زيد المشي، وهو لا يجيز هذا، وعلى قياسه يلزمه ذلك؛ لأنه يكون تقديره: أتانا زيد يمشي المشي، والفعل يتعدّى إلى المصدر المحض الذي ليس فيه معنى الحال معرّفا ومنكّرا.

قال أبو سعيد- رحمه الله-: والذي عندي أنه يجوز أن تنصب مشيا وفجاءة على المصدر من غير الوجه الذي ذكره أبو العباس، وهو أن تجعل " أتى " في معنى: مضى إليّ، ويكون " مشيا " مصدرا له، وكذلك لقيته فجاءة، كأنه قال فاجأته مفاجأة على نحو ما تقدّم من المصدر الذي من غير لفظ الفعل المذكور، كقولهم: تبسّمت وميض البرق، وما أشبه ذلك.

فإن قال قائل: فهل تجيز أن تقول جاءني زيد المشي، ولقيته الفجاءة إذا كان المصدر لا يمنع عمل الفعل فيه، وإن كان معرفة؟

قيل له: لا يجوز هذا لأنّ هذا المصدر لا يجوز استعماله في كل مكان على ما حكاه سيبويه من أنّه لا يقال: أتانا سرعة، وإنما هو شيء استعمل في غير موضعه فلم يتجاوز فيه ما استعملوه، ومثل ذلك قول الشاعر، وهو زهير:

<<  <  ج: ص:  >  >>