للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعم الخليل أنهم أدخلوا الألف واللام في هذا الحرف وتكلموا به على نيّة ما يدخله الألف واللام، وهذا يجعل مثل قولهم: مررت بهم قاطبة، ومررت بهم طرّا، أي جميعا، إلا أنّ هذا نكرة لا تدخله الألف واللام كما أنه ليس كل مصدر بمنزلة العراك، كأنه قال: مررت بهم جمعا لهم، فهذا تمثيل وإن لم يتكلم به، فصار طرّا وقاطبة بمنزلة سبحان في بابه لا يتصرّف كما كان طرّا وقاطبة لا يتصرفان، ولا يكونان معرفة، وهما في موضع المصدر، ولو كانا في موضع الصفة لجريا على الاسم ولبنيا على الابتداء ولم يوجد هذا في الصفة، وقد رأينا المصادر قد صنع بها هذا).

قال أبو سعيد: اعلم أنّ الجمّاء: هو اسم، والغفير: نعت لها، وهو بمنزلة قولك- في المعنى-: الجمّ الكثير، لأنّه يراد به: الكثرة، والغفير يراد به: أنّهم قد غطّوا الأرض من كثرتهم، من قولنا: غفرت الشيء، أي: غطيته، ومنه: المغفر؛ الذي يوضع على الرأس لأنه يغطيه، ونصبه في قولك: مررت بهم الجمّاء الغفير على الحال، وقد تقدّم القول أن الحال إذا كانت اسما غير مصدر لم يكن بالألف واللام، فأحوج ذلك سيبويه والخليل أن جعلا " الجمّاء الغفير " في

موضع المصدر كالعراك، كأنّك قلت: مررت بهم الجموم الغفر، على معنى: مررت بهم جامين غافرين للأرض، ولم يذكر أصحابنا أنهما يستعملان في غير الحال، وذكر غيرهم شعرا فيه الجمّاء الغفير مرفوع، وهو قول الأعشى:

صغيرهم وشيخهم سواء ... هم الجمّاء في اللّؤم الغفير (١)

وأما قولهم: مررت بهم قاطبة، ومررت بهم طرّا؛ فعلى مذهب الخليل وسيبويه جميعا هما في موضع مصدرين، وإن كانا اسمين، وذلك أن قاطبة وإن كان لفظها لفظ الصفات كقولنا: ذاهبة، وقائمة، وطرّا وإن كان لفظها لفظ صغرا وشهيا وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز حملها إلا على المصدر، وذلك أنّا رأينا المصادر قد يخرجن عن التمكن؛ فلذلك حمل سيبويه " قاطبة " و " طرّا " على المصدر، وصار بمنزلة مصدر استعمل في


(١) ورد البيت في الأصل هكذا:
صغيرهم وكبيرهم وشيخهم سواء ... هم الجمّاء وفي اللوم الغفير
والذي أثبتناه هو الصواب، كي يستقيم الوزن. ولم نعثر عليه في ديوان الأعشى، والبيت منسوب للراعي النميري، عبيد الله بن حصين بن معاوية.

<<  <  ج: ص:  >  >>