للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّ نزارا أصبحت نزارا ... دعوة أبرار دعوا أبرارا (١)

ومعناه: أنّ نزارا وهو أبو ربيعة ومضر لمّا وقع بين ربيعة ومضر تباين وحرب بالبصرة، وعادت ربيعة صالحت مضر كأنّ نزارا تفرّقت ثم اجتمعت فقال: أصبحت نزارا، أي: مجتمعة الأولاد إذا دعا بعضهم بعضا إلى النّصرة قال: يال نزار، وفي حال التباين والعداوة والحرب، كان المضريّ يقول منهم: يال مضر، ويقول الربعيّ: يال ربيعة؛ لأن أحد الفريقين ما كان ينصر الآخر، فصار قوله: " أصبحت نزارا " بمنزلة قوله: دعا بعضهم بعضا بهذا اللفظ، ثم جاء بالمصدر وهو " دعوة أبرار " على ذلك، وإنّما أضاف المصدر لأن إضافته تبين الفاعل من المفعول به، فلو قال: وهي تمرّ مرّ السّحاب صنعا، أو أحسن كلّ شيء خلقا، أو وعدا، وكتابا، لم يكن فيه البيان التامّ.

وقال بعضهم: صِبْغَةَ اللَّهِ (٢) منصوبة على الأمر، وقال بعضهم: بل توكيد والصبغة: الدين، والذي يقول توكيد حمله على ما يوجبه هذا الباب؛ لأنّ قبله أشياء من أمر الدين وشريعة الإسلام.

(وقد يجوز الرفع في ذلك كلّه على أن تضمر شيئا هو المظهر، كأنه قال: ذاك وعد الله، وصبغة الله، وهو دعوة الحقّ على هذا ونحوه رفعه).

ومن ذلك: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ (٣) أي ذلك بلاغ.

قال سيبويه: (ومثل ذلك قول الراعي:

دابت إلى أن ينبت الظلّ بعد ما ... تقاصر حتى كاد في الآل يمصح

وجيف المطايا ثم قلت لصحبتي ... ولم ينزلوا أبردتم فتروّحوا) (٤)

فنصب وجيف المطايا نحو ما مضى في الباب؛ لأن دأبت قد دلّ على أنّه معنى


(١) قائله: رؤبة بن العجاج: شرح المفصل ١: ١١٧ (بلا نسبة)؛ هارون ١: ٣٨٢.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٣٨.
(٣) سورة الأحقاف، الآية: ٣٥ والآية مكتوبة في الأصل هكذا " كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، بلاغ " وهو خطأ، والصحيح ما أثبتناه.
(٤) البيتان ينسبان إلى الراعي النميري: الإنصاف ١: ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>