للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عادت الفاء إلى حكمها، فلم يجز تقديم ما بعدها عليها، ولو قلت: أمّا طعام زيد فلا تأكل ولم تقدّم زيدا جاز، وحقّه أن تقدم ما تقديره أنّه يلي الفاء.

وأما تقديم الظرف الذي حقّه أن يكون بعد الفاء؛ فقولك: أمّا يوم الجمعة فلا تخرج فيه، وتقديره: مهما يكن من شيء فيوم الجمعة لا تخرج فيه.

وأما الشرط فقولك: أمّا إن جاءك زيد فأكرمه؛ لأنّ التقدير: مهما يكن من شيء فإن جاءك زيد فأكرمه، قال الله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (١) والتقدير: مهما يكن من شيء فإن كان من المقربين فروح وريحان أي: فله روح وريحان، فهذا تمثيل ما تقدم مما بعد الفاء.

وأمّا ما يكون قبل الفاء جزاء من الشّرط المحذوف بعضه المبقيّ بعضه فقولك: أمّا علما فلا علم عند زيد؛ فالعلم منصوب بما دلّ عليه " أمّا " وتقديره: مهما يذكر زيد علما، أي: من أجل علم وبعلم فلا علم عنده.

ولا يجوز أن يكون العامل في " علما " ما بعد الفاء؛ لأنه لا يعمل فيها قبله. ألا ترى أنك لو قلت: " لا علم عند زيد، لم يحسن أن تقول: عند زيد لا علم، وأصحابنا في ذلك مختلفون على مذهبين:

فالمازني يجيز: أمّا زيدا فأنا ضارب، ولا يجيز: أمّا زيدا فأنا رجل ضارب، وذلك أنك لو نزعت أمّا والفاء فقلت: أنا ضارب زيدا لجاز تقديم زيد على أنا؛ ولقلت: زيدا أنا ضارب، ولا يجوز: زيدا أنا رجل ضارب؛ لأن ضاربا نعت لرجل، وضارب في موضعه فلا يجوز تقديمه على ما قبل المنعوت، كما لا يجوز أن تقدّم ما عمل فيه النعت على المنعوت، وهذا أصل البصريين، وسيمر بك في موضعه.

وكان المازنيّ يقول: إن الذي يجوز فيه تقديمه على الفاء هو الذي يجوز أن يلي الفاء ويقدّم عليها، وما لم يجز أن يلي الفاء لم يجز تقديمه على الفاء، فلا يجوز أن يقال:

مهما يكن من شيء فزيدا أنا رجل، وعلى هذا القياس أيضا لا يجوز: أمّا زيدا فإنّي ضارب؛ لأنّك لا تقول: زيدا إنّي ضارب؛ لأن خبر إنّ لا يعمل فيما قبله، وأجاز أن


(١) الآيتان ٨٨، ٨٩ من سورة الواقعة، وبداية الآية ٨٨ جاءت مكتوبة في الأصل هكذا: " وأمّ " وهو خطأ، والصحيح ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>