وقال المبرد: إنما أدخلوا الألف واللام في قولهم: ادخلوا الأول فالأول، كأن القائل قال: أعرفكم إذا دخلتم، وإذا قالوا: ادخلوا أولا فأولا، وليس يعرف ترتيبهم إذا دخلوا على ذلك فصار منكورا.
وحكى سيبويه:(أن عيسى بن عمر كان يقول: ادخلوا الأول فالأول) على البدل من الواو (لأن معناه: ليدخل) الأول فالأول، ولم يجز ذلك سيبويه لأن لفظ الأمر للمواجه، لا يجوز أن يعرّى من ضمير، وإذا أبدل الظاهر منه فكأنه لا ضمير فيه، ألا ترى أنه لا يجوز: ادخلا الزيدان، ولا ادخلوا غلمان زيد، فتبدل من ضمير الاثنين والجماعة المخاطبين لأنا لا نقول: ادخل غلمان زيد، فإذا أبدلنا فقد أبطلت الواو.
ولم يفسر سيبويه علته بل جوزه على وجه من وجوه ما يحمل على المعنى، وهو قولهم:
ليبك يزيد ضارع لخصومة (١)
ومثال هذا من الكلام أن تقول ومختبط مما تطيح الطوائح: ضرب زيد عمرو، ومعناه: أن عمرا ضرب زيدا، خبرت عن زيد بالضرب الواقع به، ولم تسم الفاعل؛ أردت أن تبتدئ الفاعل، فقلت: عمرو على معنى: ضربه عمرو فهو على كلام ثان، فعلى هذا، قال الشاعر:
ليبك يزيد ...
كأنه حث على البكاء عليه حين مات لما فات من منافعه، ولم يذكر الباكي، ثم قال: ضارع لخصومة، أي: ليبكه من كان يعينه ويأخذ بيده فحمل ضارعا على معنى:
ليبك إذا كان يبكي يدل على باك، فكذلك ادخلوا فيه معنى: ليدخل القوم، ولو قال:
ليدخل القوم الأول فالأول لجاز بلا خوف لأنه أمر للغائب يجوز أن يليه الظاهر، ويكون بدلا من المضمر الذي فيه:
قال سيبويه: (فإذا قلت: ادخلوا الأول والآخر والصغير والكبير رفعت، فليس معنى رفع هذا على البدل، وإنما هو على التوكيد كقوله: ادخلوا كلكم لأن معناه
(١) البيت لنهشل بن حرى في الخزانة ١/ ١٤٧، والشعر والشعراء ولابن نهيك النهشلي في ابن يعيش ١/ ٨٠.