للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قول الشاعر:

فوردن والعيّوق مقعد رابئ وال ... ضّرباء خلف النّجم لا يتتلّع (١)

فإنه يصف حمرا وردت الماء ليلا وقد ارتفع العيّوق والثّريا في وسط السماء، سحرا في آخر الليل وذلك أثناء شدة الحر، ومثل موقع الثريا من العيوق، والعيوق إذا ارتفع وتوسط السماء صار مع الثريا كالمشرف عليها، فشبّه ذلك المقعد بمقعد رابي الضّربا، وهو الأمين المشرف على الذين يضربون بالقداح كيلا يخونوا وهو علامتهم، وأراد بالنجم الثريا، فإذا نصب فالناصب: استقر كما ذكرنا في الظروف، وإذا رفعت فقلت: هو مقعد القابلة، جعلته بمنزلة قولك: هو قريب كمقعد القابلة، وكذلك إن قلت: هو مناط الثريا، كأنك قلت: هو بعيد كمناط الثريا، وجاز أن تكون هذه الأشياء ظروفا، لأنهم قد اتسعوا فيما هو من الأماكن أخص من هذه، فجعلوه ظروفا ونصبوه.

فقالوا: ذهبت الشام، ودخلت البيت، تشبيها بالأماكن المحيطة مثل: خلف وقدام.

ثم قال سيبويه: (وليس يجوز هذا في كل شيء، لو قلت: هو مني مجلسك أو متكأ زيد أو مربط الفرس لم يجز). وذكر الفصل.

قال أبو سعيد: فإن سيبويه منع أن يقاس على مناط الثريا ونحوه مما استعملوه ظرفا غيره من الأماكن نحو: مربط الفرس إلا أن تظهر المكان، فتقول: هو مني مكان مربط الفرس، فيجوز، وأنشد سيبويه بيت ابن هرمة:

............. ... ..... أم هم درج السّيول (٢)

فألحقوا درج السيول بمناط الثريا، واستعملوه ظرفا، ورفعه جائز كما ذكرنا في مناط الثريا ونحوه.

وقد ذكر يونس: أن من العرب من يقول: زيد خلفك يجعله هو الخلف، وقد ظهر أن سيبويه يجيز: زيد خلفك، إذا جعلته هو الخلف، ولم يشرط ضرورة شاعر، وهو قول المازني، فكان الجرمي لا يجيزه إلا في ضرورة الشعر. والكوفيون يمنعونه أشد المنع، وقد


(١) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. ديوان الهذليين ١/ ٦، ابن يعيش ١/ ٤١.
(٢) البيت لابن هرمة في ديوانه ص ١٨١، الخزانة ١/ ٤٢٤، سيبويه ١/ ٢٨٤.
وهو جزء من البيت
أنصب للمنية تعتريهم ... رجالي أم هم درج السيول

<<  <  ج: ص:  >  >>