للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال الله تعالى: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (١) أي: من أصحابه وجيرانه، ولا ينتظم معنى ذلك إلا بما قدّره سيبويه لأن ضميره من أصحابه في صحبته إياه في مقدار هذه المسافة، واعلم أن ظروف الزمان تكون أخبارا للمصادر، ولا تكون أخبارا للجثث، وأما ظروف المكان فتكون أخبارا للمصادر والجثث، وإنما كانت ظروف المكان كذلك لأن الجثة الموجودة قد تكون في بعض الأمكنة دون بعض مع وجودها، أعني الأماكن.

ألا ترى أنك إذا قلت: زيد خلفك علم أنه ليس قدّامه ولا تحته ولا فوقه ويمنته ويسرته مع وجود هذه الأماكن، ففي

إفراد الجثة بمكان فائدة. وأما ظروف الزمان فإنما يوجد منها شيء بعد شيء ووقت بعد وقت، وما وجد منها فليس شيء من الموجودات أولى به من شيء فلو قلت: زيد الساعة أو يوم الأحد لجعلت ل (زيد) في هذا اليوم حالا ليست لعمرو، وليس كذلك لأن زيدا وعمرا وغيرهما من الموجودات تتساوى في الوصف بالوجود في هذا اليوم، وأما المصادر فهي أشياء حادثة معروفة بالأفعال في المضي والاستقبال.

فإذا قلنا: القتال يوم الجمعة، وإنّا نريد الدلالة على حدوثه في هذا اليوم، كأنّا قلنا:

القتال يحدث يوم الجمعة.

قال سيبويه: (وتقول الهلال الليلة).

كأنه يجعل الليلة ظرفا للهلال والهلال جثة لأنه جزء من القمر. فهو جثة كأنه في استهلاله أو تصوره لهذه الصورة الليلة، فإن رفعت فقلت: القتال يوم الجمعة، والهلال الليلة جاز على معنى: قتال يوم الجمعة، والهلال الليلة ثم تحذف، وقد أجاز سيبويه اليوم الجمعة، واليوم السبت بنصب اليوم، ولم يجز في الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس إلا الرفع، وإنما ذاك لأن الجمعة بمعنى الاجتماع، والسبت بمعنى الراحة، فهما مصدران يقعان في اليوم بمنزلة قولك: اليوم القتال، فأما اليوم الأحد فبمنزلة اليوم الأول، والاثنين بمنزلة الثاني، والثلاثاء والأربعاء والخميس بمنزلة الثالث والرابع والخميس، وليس ذلك بمعنى: يقع في اليوم، كالاجتماع والراحة، وأجاز الفراء وهشام النصب في جميع ذلك، فإذا رفع جعل الثاني هو الأول، وإذا نصب فعلى معنى الآن الأحد


(١) سورة إبراهيم، الآية: ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>