للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك: ما مررت برجل، ولكن حمار، وأبدلت الآخر من الأول وجعلته مكانه).

وقال في الباب: (ومن المبدل- أيضا- قولك: قد مررت برجل أو امرأة، إنما ابتدأ بيقين، ثم جعل مكانه شكا أبدله منه، فصار الادعاء فيهما سواء)، واعتمد على أن ابتداء الكلام إذا كان يوجب أمرا ثم جاء بما يبطله، ويوجب الثاني نحو: بل، ولا بل، فهو بدل شبيه بدل الغلط الذي بدأ به، وهو في معناه، وجعل لكن كذلك لأنه أوجب وحقق إبطال

الأول.

و (بل) و (لكن) إذا كان قبلهما جحد فهما في المعنى سواء كقولك: ما مررت برجل بل عمرو، وما مررت بزيد لكن عمرو، وجعل أو من الباب، لأنك بدأت بالأول على لفظ اليقين ثم شككت فيه، والتشكيك فيه كالإبطال له، ولهذا شبه (أو) ب (لكن) حين قال في (أو) (ابتداء بيقين ثم جعل مكانه شكا)، فهو شبيه بقوله: ما مررت بزيد ولكن عمرو، ابتدأ بنفي ثم جعل مكانه يقينا.

فإن قال قائل: فهلا جعل قولك: مررت بزيد لا عمرو من هذا؛ لأنه نفي بعد الإيجاب بمنزلة التوكيد للإيجاب المتقدم، كما أن قولك: هذا زيد لا شك فيه، كقولك: هذا زيد حقا، فقولك: مررت بزيد لا عمرو، كقولك: مررت بزيد حقا.

فأما قول سيبويه: (وقد يكون فيه الرفع على أن يذكر الرجل)، وذكر الفصل.

قال المفسر: وجعل سيبويه رفعه بإضمار اسم مكنيّ يكون الظاهر خبره، ويكون ذلك المكني على ضربين:

أحدهما: أن يكون قد جرى ذكره فيضمر الاسم الذي ذكره.

والآخر: أن تعرف المعنى فيضمر ذلك المعنى وإن لم يجر ذكره.

فأما ما جرى ذكره فأضمر: فهو الكلام المعروف وهو تمثيله برجل يذكر فيقول:

أنت قد مررت به، وقد مررت برجل بل هو حمار، ويكون هو الرجل المذكور.

وأما الذي أضمر ولم يذكر، فقولك: ما مررت ببغل ولكن حمار، تريد: ولكن هو حمار، معناه: لكن الذي مررت به حمار لأن قولك: ما مررت ببغل قد دلّ عليه فكني لدلالة الكلام عليه، وجعل الأقوى في الكناية ما جرى ذكره لقرب المكني بالذكر وإضمار الذي لم يجز ذكره عربي جلي. لأن معناه ما مررت بشيء هو بغل فجاز هذا، وإن لم يجز ذكره كما جاز في المنعوت الذي جرى ذكره نحو: ما مررت برجل صالح بل طالح،

<<  <  ج: ص:  >  >>