للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنيت دارك، وكحلت عينك، وأشباه ذلك، ويجوز إسقاط علامة التأنيث كقولك: بنى دارك وكحل عينك، وما أشبهه ذلك، وكل تأنيث حصل في مؤنث بعلامة أو بغير علامة في جمع أو واحد من غير خلقة التأنيث التي تكون لإناث الحيوان بفرج يكون لهن، فهو تأنيث غير حقيقي، وإذا تقدم المؤنث الذي تأنيثه غير حقيقي ثم أتي بفعله وأضمر لم يحسن إسقاط علامة التأنيث كحسن إسقاطها إذا تقدم الفعل، وذلك قولك: دار بنيت، وعينك كحلت، ولو قلت: دارك بني، وعينك كحلت، لم يحسن كحسن بني دارك، وكحل عينك لأنك إذا قدمت الفعل فصلت الفاعل من الفعل وظهر لفظه الموضوع للتأنيث، فاكتفي به وأغنى عن العلامة، وإذا تقدم الاسم صار الفعل لضميره، وهو مختلط بالفعل وليس في لفظه دلالة على التأنيث، لأن ضمير الواحد والاثنين الفاعلين في الفعل الماضي في المذكر والمؤنث سواء، فكرهوا إسقاط العلامة مع ذهاب اللفظ الموضوع للتأنيث، وقد يجيء في الضرورة إسقاط علامة التأنيث في فعل الحيوان.

وحكى بعض الرواة عن بعض العرب: حضر القاضي اليوم امرأة، ولم يكن قصدنا في هذا الموضع ذكر أحكام التأنيث والتذكير فنستقصيه بأكثر من هذا، وإذا عرض منه بعد هذا شيء ذكرته في موضعه إن شاء الله تعالى، واعلم أن بعض العرب يجعل في الفعل المقدم علامة التثنية والجمع كما جعل فيه علامة التأنيث، فتقول: ضربوني قومك، وضرباني أخواك، وضربتني أخواتك، كما قالوا: قالت فلانة، فكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجميع علامة، كما جعلوا للمؤنث وهي قليلة، قال الفرزدق:

ولكن ديافيّ أبوه وأمّه ... بحوران يعصرن السليط قرائبه (١)

وقال آخر:

يلومونني في اشتراء النخيل ... أهلي فكلهم يعذل

وأهل الذي باع يلحونه ... كما ألحى البائع الأوّل (٢)

وأنشد الفراء البيت الأول من هذين بالميم، فقال:

يلوم، وهي أبيات لأمية، لولا كراهة الإطالة لأنشدتها كلها.


(١) ديوان الفرزدق/ ٥٠، الخزانة ٢/ ٣٨٦، ٣/ ٢٩٣، ٤/ ٥٥٤.
(٢) البيتان لأمية بن أبي الصلت ديوانه ٤٨، الدرر اللوامع ١/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>