للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنك لو حذفت معه لم يعد إلى المنصوب شيء من نعته، ولا إلى المبتدإ شيء من خبره، لأن قولك: معه صقر: جملة، فإذا كانت في موضع نعت أو خبر أو حال لم يكن بدّ من عائد يعود إليه، والعائد هو: الهاء في (معه)، وإذا كان الكلام مبتدأ ليس قبله شيء فليس يمتنع من إسقاط الظرف مانع، كقولك: فيها عبد الله قائم غدا، وفيها أخواك قائمان لا يخل بالكلام إسقاط الظرف وإلغاؤه.

وقد ظن من فسّر الكتاب: أن سيبويه يرفع الاسم بالظرف لا بالابتداء، فيكون (صقر) مرفوعا معه، ويتأول قوله: (لأنه ليس يرفعه الابتداء)، والذي عندنا من مذهب سيبويه في هذا الموضع وفي غيره أن الاسم تقدم أو تأخر يرتفع بالابتداء، كقولك: خلفك زيد، وعندك مال، لأنك إذا قلت: إن عندك مالا، نصبته ب (إنّ) والذي تنصبه إنّ هو الذي يرفعه الابتداء.

وأما قول سيبويه: (لأنه ليس يرفعه الابتداء)، ترجع الهاء في (لأنه) إلى أول الكلام، وإنما يريد، لأن الهاء المجرورة في (معه) فاعرف ذلك إن شاء الله.

قال أبو سعيد: وفيما يرد من كلام سيبويه ما يحتاج إلى تبيين أصول تسهله، فمن ذلك: أن اسم الفاعل إذا جرى على من هو له صفة أو حالا أو خبرا أو صلة، لم يحتج إلى إظهار فاعله، وكان الفاعل مضمرا فيه منونا وإن جرى على غير من هو له احتجت إلى إظهار فاعله كقولك في الصفة: مررت برجل معه امرأة ضاربها.

فضاربها: مخفوضا، صفة لرجل ولا تحتاج إلى شيء بعده فإن قلت: ضاربها بالرفع احتجت أن تقول: ضاربها

هو، لأنك إذا رفعت فهو صفة للمرأة وفعل للرجل، فجعلت، ضاربه صفة لغير من هو فاعله فاحتجت إلى إظهار الفاعل، وإن قلت: مررت برجل معه امرأة ضاربته لم يحتج إلى إظهار شيء بعده، لأن ضاربته صفة لها وفعل لها، وإن قلت:

ضاربته بالخفض فجعلتها نعتا للرجل احتجت إلى أن تقول: ضاربته هي، فتظهر اسم الفاعل فتقول: ضاربته هي، ولو جعلت مكان اسم الفاعل فعلا، لم تحتج إلى إظهار شيء وتكتفي بالضمير الذي فيه، ويكون صفة لغير من هو له، تقول: مررت برجل معه امرأة تضربه، ومررت برجل معه امرأة يضربها.

فتجعل تضربه ويضربها صفة لمن شئت منهما ولا تحتاج إلى إظهار اسم الفاعل المستكن في الفعل ألا ترى أنك تقول: مررت برجل تضربه، فيكون تضربه في موضع

<<  <  ج: ص:  >  >>