للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر:

وبالجسم منّي بيّنا لو علمته شحوب ... وإن تستشهدي العين تشهد (١)

وقال كثير:

لعزّة موحشا طلل قديم (٢)

وهذا كلام أكثر ما يكون في الشعر، وأقل ما يكون في الكلام ".

قال أبو سعيد: جملة هذا الباب أن يكون اسم منكور له صفة تجري عليه، ويجوز نصب صفته على الحال، والعامل

في الحال شيء متقدم لذلك المنكور، ثم تتقدم صفة ذلك المنكور عليه لضرورة عرضت لشاعر إلى تقديم تلك الصفة، فيكون لفظ الاختيار في لفظ تلك الصفة أن تحمل على الحال، مثال ذلك: هذا رجل قائم، وفى الدار رجل قائم، هذا مبتدأ، ورجل خبره، وقائم نعت رجل. وفي الدار رجل قائم، رجل مبتدأ، وفى الدار خبر مقدم، وقائم نعت رجل، ويجوز نصب قائم في المسألتين جميعا، وأمّا في هذا رجل قائما، فالعامل فيه التنبيه أو الإشارة، وأمّا في الدار رجل قائما، فالعامل فيه الظرف، والاختيار الصفة، فلما احتاج إلى تقديم مستظلة على ظباء وقد كان قبل تقديمها تقديره:

" وتحت العوالي في القنا ظباء مستظلة " على الاختيار، ومستظلة على الجواز، ثم احتاج إلى تقديمها على ظباء، فلم يصلح أن ترتفع على الصفة لشيء بعدها؛ لأن الصفة لا تكون إلا بعد الموصوف، وكانت الحال تتقدم وتتأخر، نصبت على الحال، وعامل الحال قد تقدم، وكذلك قوله:

" وبالجسم مني بيّنا لو علمته شحوب " أصله: وبالجسم منيّ شحوب بيّن على الصفة، وبينا على الحال، والعامل فيه الظرف الذي ناب عنه وبالجسم، فلما تقدم بطلت الصفة وبقي النصب على الحال، وكذلك، لعزة موحشا على الصفة، وكان يجوز موحشا طلل قديم، أصله: لعزة طلل قديم موحش على الصفة، وكان يجوز موحشا على الحال، والعامل فيه لعزة، فلمّا قدمت نصبته على الحال، ولم يكن يحسن أن تقول: فيها قائم؛


(١) البيت بلا نسبة في معجم الشواهد النحوية ٢٧٨، وشرح الأشموني ٢/ ٧٥.
(٢) هذا صدر بيت وعجزه:
عفاه كل أسحم مستديم
البيت في ملحق ديوانه ٥٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>