للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر هذا بأتم من هذا الشرح في غير موضع.

وأما الشبه بين هذه الحروف وبين الأفعال فمن وجهين؛ أحدهما: من جهة اللفظ والآخر من جهة المعنى، فأما الشبه من جهة اللفظ فلبناء أواخرها على الفتح، كبناء الفعل الماضي، وأما الشبه من جهة المعنى فلأن هذه الحروف تطلب الأسماء ولا تقع إلا عليها، كما أن الأفعال تطلب الأسماء ولا تقع إلا عليها، وتدخل هذه الحروف على المبتدإ والخبر فتنصب المبتدأ وترفع الخبر، وشبهت في نصب المبتدأ ورفع الخبر بفعل قدّم مفعوله على فاعله، والذي ترفعه هذه الحروف من أخبارها ما كان منها هو الاسم؛ كقولك: إن زيدا أخوك، ونحوه، دون ما كان في موضع الخبر، وإنما اختير أن يكون الاسم منصوبا؛ لأنه لو جعل مرفوعا ثم أضمر المتكلم والمخاطب لتغيرت

بنيته كما تتغير كان إذا قلت: كنت وكنت، وكان يلزم فيها أن يقال إننت قائما وإننت منطلقا.

وهذه حروف ليس لها تصرف الأفعال فلم تحتمل التغيير، ولهذه العلة لم يجز تقديم الخبر؛ لأنه لو قدم ثم اتصلت به كتابة المتكلم والمخاطب، للزمه التغيير الذي ذكرناه، ومع هذا أنه يضعف تغيير ما تعمل فيه الحروف عن مواضعها المرتب فيها.

وأهل الكوفة يقولون في خبر إن وأخواتها إنه مرفوع، كما كان يرتفع به قبل دخول (إن) و (أن)؛ لأن (أن) دخلت وعملها ضعيف فعملت في الاسم ولم تجاوزه، وبقي الخبر مرفوعا على ما كان قبل دخول (إن) وهذا غلط منهم ومناقضة، فأما الغلط فلأن خبر المبتدإ كان يرتفع بالتعري من العوامل اللفظية، وقد دخلت (إن) فزال ذلك التعري، وأما المناقضة فإنهم يقولون زيد قائم، كل واحد منهما يرفع الآخر، وإذا دخلت (إنّ) بطلت المرافعة فكيف يبقى الخبر على حاله.

وقال سيبويه: " وتقول إن زيدا الظريف منطلق، فإن لم تذكر المنطلق صار الظريف في موضع الخبر، كما قلت: كان زيد الظريف ذاهبا، فلما لم تجئ بالذاهب قلت كان زيد الظريف، فنصب هذا في (كان زيد) بمنزلة رفع الأول في إن وأخواتها، وتقول إن فيها زيدا قائما، فإن شئت رفعت على إلغاء فيها، وإن شئت قلت إن زيدا فيها قائما قائم، وتفسير نصب القائم هاهنا ورفعه كتفسيره في الابتداء، وعبد الله ينتصب بأن كما ارتفع بالابتداء، إلا (أن) فيها هاهنا بمنزلة هذا في أنه يستغني على ما بعدها السكوت ويقع موقعه، وليست بنفس عبد الله، و (إن) هي ظرف لا

<<  <  ج: ص:  >  >>