للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحُجة هذا القول: أنه متى كان الباذل أحدهما؛ فإنه لا تطيب نفسه بأن يُغْلَب ويؤخذ ماله، فإذا غُلِب أكل السابق ماله بغير طيب نفسه، وقد قال النبي : "لا يحلُّ مال امرئٍ مسلمٍ؛ إلا عن طيبِ نفسٍ منه" (١).

وهذا بخلاف ما إذا كان الباذل الإِمام أو أجنبيًّا عنهما؛ فإنه تطيب نفسه ببذل المال لمن يسبق، فلا يكون مالُه مأكولًا بغير طيب نفس.

ولا يلزم من هذا القول المنع إذا كان البذل من كل واحد منهما، وأنه يكون أولى بالمنع؛ فإنه لم يختصَّ أحدهما ببذل ماله لمن يغلبه، بل كلٌّ منهما باذلٌ مبذولٌ له، فهما سواء في البَذْلِ والعَمَل، ويُسْعِد الله بسَبَقه من شاء من خَلْقِه، وكلٌّ منهما خاصٌّ لنفسه، راجٍ لإحراز ماله والفوز بمال صاحبه، فلم يتميَّز أحدهما عن (٢) الآخر.

وأما إذا كان الباذل أحدهما؛ فإن سَبَق رجع إليه ماله، ولم يأخذ من الآخر شيئًا، وإن كان مسبوقًا غَرِم ماله، والآخر إن سَبَق غَنِم، وإن سُبِق لم يَغْرَم، والعقود مبناها على العدل من الجانبين، وبهذا يتبيَّن أن العَقد المشتمل على الإِخراج منهما معًا أحلُّ من العقد الذي انفرد أحدهما فيه بالإِخراج.

وأُجيب صاحب هذا القول؛ بأن النبي أطلق جواز السبق في هذه الأشياء الثلاثة، ولم يخصَّه بباذلٍ خارجٍ عنهما، فهو يتناول حِلَّ


(١) تقدم (ص/ ١١٧).
(٢) في (مط)، (ح) (على).

<<  <  ج: ص:  >  >>