للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقست نفسه أي: غثت. والعرب تستعمل كلا اللفظين مكان الآخر، أعني: لقس وخبث.

وكان - صلى الله عليه وسلم - يسلك في ألفاظه مسلك التنزه؛ فكره أن يضرب المؤمن لنفسه مثل السوء، ويضيف إليها الخباثة التي هي ملحقة بالكفار الُمصرين على المعاصي، ولم ير للمؤمن أن يصف نفسه بالخبث.

فإن قيل: ففي الحديث: (وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) فيمن لم يقم لصلاة الليل فكيف نهى عنه واستعمله في حق المؤمن.

قلت: سئل عنه الطحاوي -رحمه الله- فأجاب بما ينبئ أنه رأى الحديث الذي ذكرناه كالناسخ لما بعده.

وأرى الوجه في التوفيق بينهما أن أقول: حديث صلاة الليل ورد مورد الوعيد في حق من يثبطه الشيطان عن القيام، لا في حق رجل بعينه، وكم مثل ذلك في السنن:

(نهى عن لعن المسلم أشد النهي، ثم قال: (لعن الله من تولى غير مواليه)، و (لعن الله من سرق منار الأرض)، وأمثال ذلك، مما كان القصد فيه الوعيد والزجر، لا اللعن لمسلم بعينه.

وكذلك قوله: (أصبح خبيث النفس)

وأما الحديث الذي نحسن فيه، فإنه للنهي عن إضافة المؤمن الخبث إلى نفسه، ولهذا المعني كان يغير الأسماء القبيحة، كما غير اسم عمر التي سماها عاصية، وغنما كان ذلك منه في الجاهلية؛ فإنهم كانوا يسمون بالعاصي والعاصية ذهاباً إلى معنى الإباء عن قبول النقائص والرضا بالضيم، فلما جاء الله بالإسلام كره ذلك لهم، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>