للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن باب أسماء الله تعالى

(من الصحاح)

[١٥٧٢] حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدة ...) الحديث. فإن قيل: نحن وجدنا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يختار من الألفاظ أبلغها، ومن الأقوال أوجزها، وقد أكد في هذا الحديث تسعة وتسعين بمائة إلا واحدة، وذلك ظاهر من القول غير مفتقر عند المخاطب به إلى تأكيد، وقد جل منصب الرسالة عن الإتيان بما لا طائل تحته في البيان، فما الفائدة التي تضمنها هذا التأكيد؟! قلنا: معرفة أسماء الله تعالى وصفاته لما كانت متلقاة من طريق الوحي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن لنا أن نتصرف فيها بما نهتدي إليه بمبلغ علمنا، ومنتهى عقولنا، وقد منعنا عن إطلاق ما لم يرد به التوقيف من ذلك، وإن جوزه العقل، وحكم به القياس، كان الخطب في ذلك غير هين، والمخطيء فيه غير معذور، والنقصان عنه كالزيادة فيه غير مرضي، وكان الاحتمال في رسم الخط واقعا باشتباه تسعة وتسعين في زلة الكاتب وهفوة القلم بسبعة وتسعين، أو بسبعة وسبعين، أو تسعة وسبعين، فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور فأكده بقوله (١٨٧/أ) هذا حسما لمادة الخلاف، وإرشادا إلى الاحتياط في هذا الباب.

وأما وجه التأنيث في قوله: (إلا واحدة) فهو أن نقول: ذهب إلى التأنيث إرادة إلى التسمية أو الصفة أو الكلمة، وفيه: (من أحصاها دخل الجنة) أي من أتى عليها حصرا وتعدادا وعلما وإيمانا فدعا الله بها، وذكره وسبحه وأثنى بها عليه - استحق بذلك أن يدخل الجنة. وإنما ذكر دخوله الجنة على صيغة الماضي تحقيقا لذلك وتنبيها على أن ذلك وإن لم يكن بعد فإنه في حكم الكائن، وقد ذكرنا تفسير الإحصاء واشتقاقه في بيان قوله: (استقيموا ولن تحصوا) فيما تقدم معنى من هذا الكتاب، وقد ذكر فيه وجهان آخران: أحدهما أن يكون الإحصاء بمعنى الإطاقة؛ أي: أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها، وذلك بأن يعتبر معانيها، فيطالب نفسه بما تتضمنه من صفات الربوبية وأحكام العبودية، فإذا قال: هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الملك القدوس السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبال، المتكبر - لم ير التعبد والحمد إلا له، والثناء والتوكل إلا عليه، والثقة واللياذ إلا به، والرجاء والخشية إلا منه، والخضوع والتذلل إلا فيه، والملجأ والمناص منه إلا إليه، وإذا قال: الرحيم الغفور تحقق بنيل الرحمة والمغفرة منه،

<<  <  ج: ص:  >  >>