خرساء، فأشارت إلى السماء [وكلى] القولين مردود؛ لأنهم قابلوا الصدق بالكذب، وعارضوا اليقين بالشك.
والسبيل- فيما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتلقى بالقبول، فإن تدارك الله المبلغ إليه بالفهم فيه، فذلك هو الفضل العظيم، وإن قصر عنه فهمه، فالسلامة في التسليم، ورد العلم فيه إلى الله وإلى الرسول، مع نفى ما يعترض الخواطر فيه من المعاني المشتركة والأوصاف الموهمة للمشاكلة، وقد عز جناب الكبرياء عما تتصرف فيه الأوهام، وتتلقفه الأفهام، وتدركه الأبصار، وتحيط به العقول [٣٦١/]: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ثم إن المتنفر عن هذا الحديث، المجد في الهرب عنه، لو أنعم النظر فيه، وفيما يتلى عليه من الآيات والذكر الحكيم، ويروى له من السنن بالنقل القويم؛ لم يعدم له نظائر في القبيلين، قال الله- سبحانه-: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور}. ولاشك أنه يريد به نفسه، وليس ذلك أنه محصور فيها، ولكن على معني أن أمره ونهيه جاءا من قبل السماء، فوقعت الإشارة من النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث إلى مثل ما نطق به التنزيل. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - في توقيف العباد على الشئون الإلهية والأمور الغيبية على صراط مستقيم، لم يكن لغيره أن يسلك ذلك المسلك إلا بتوقيفه، وقد أذن له في ذلك ما لم يؤذن لغيره. وكان رحمة من الله على عباده، بعث إلى كافة الخلائق، بعد أن كانوا على طبقات شتى ومنازل متفاوتة من عقولهم وآرائهم وإدراكاتهم واستعدادتهم، وكان منهم القوى والضعيف، والبالغ والقاصر، والكامل والناقص، فكان يأتي في تعريف ما قد علم أن بالناس حاجة إلى معرفته سهل المتناول، غزير المعنى، يأخذ العارف منها حظه، ويعلم الجاهل بها دينه، ويتضح بها ما أشكل، ويقرب بها ما بعد، {قد علم كل أناس مشربهم} وكان - صلى الله عليه وسلم - معنيا بأن يكلم الناس على قدر عقولهم، فلم يكن ليكلم جارية ضعيفة العقل واهية الرأي، فاترة النظر، قاصرة الفهم بما يقتضيه صرف التوحيد، ويكشف عن حقيقته نور القدس، فتزداد حيرة إلى حيرتها، لكن قنع منها بأن تعلم أن لها ربا {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض} فسألها عن ذلك، على ما تبصره من حالها، وتبينه من مقدار عقلها، وكان - صلى الله عليه وسلم - أعرف الخلق بالله، وأعلمهم بطريق الهداية إليه، فليس لأحد من خلق الله أن يشمئز عن قاله قالها، أو يتنكب عن محجة سلكها، فما يأتي منه إلا ما طاب وكرم، وما له منا- فيما بلغنا عنه- إلا السمع والطاعة، والرضا والتسليم، صلى الله عليه أفضل ما صلى على أحد من عباده المكرمين.
ومن باب اللعان
(من الصحاح)
[٢٣٧٥] حديث سهل بن سعد الساعدى- رضي الله عنه-: (أن عويمر العجلاني قال: يا رسول الله