للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بني جمع، وكان من وراءهم من حلا الحرم والقادمين عليهم يمرون عليهم إذا دخلوا المسجد فربما أغلقوا تلك الأبواب إذا جن عليهم الليل فلم يستطع الزائر أن يجوس من خلال ديارهم في هجعة من الليل فيدخل المسجد فيطوف بالبيت؛ فأعلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ليس لهم أن يصنعوا هذا الصنيع وأن يمنعوا عباد الله عن منسكهم ويحولوا بينهم وبين متعبدهم، وأباح للزائرين التمتع بالبيت المبارك في سائر الأوقات ونهى أصحاب الديار الواقعة حوله أن يحتجزوا دورهم، فموقع قوله - صلى الله عليه وسلم -: أي وقت شاء من ليل أو نهار هو المعنى الذي ذكرناه لإباحة الصلاة في أوقات نهينا عن الصلاة فيها.

قلت: وإنما خص بني عبد مناف بهذا الخطاب دون بطون قريش لعلمه بأن ولاية الأمر متأول إليهم، مع أنهم كانوا رؤساء مكة وساداتها وفيهم كانت السدانة والحجابة واللواء والسقاية والوفادة؛ فخصهم بالخطاب ليمتنعوا بأنفسهم عن هذا الصنيع، ويأخذوا على يدي من يبتغيه، ويحتمل أنه أشفق عليهم من الابتداع بمنع الناس عن الطواف ليخلو لهم المطاف والبيت؛ فحذرهم عن ذلك، وقد كان الأمراء من بني مروان ومن حج من الخلفاء من بني العباس يصنعون ذلك.

قلت: وهذا القول إن كان صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - زمن الفتح فالأظهر أنه أشار به إلى الذي أراد أن يوليه أمر مكة، وهو عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مكة، حين خروجه إلى حنين فلم يزل أميرا عليها حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخليفة من بعده، فتوفي بمكة يوم توفي الصديق بالمدينة.

ومن باب الجماعة وفضلها

(من الصحاح)

[٧٢٣] حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) قلت: قد روي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا)، ووجه التوفيق بين الحديثين أن نقول: عرفنا من تفاوت الفضل في حديث ابن عمر- رضي الله عنه- أن سماعه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لحديثه ذلك كان بعد سماع أبي هريرة لما ذكرناه، لأن الزيادة في الفضل ينبغي أن تكون آخر الأمرين، فإن الله سبحانه يزيد عباده من فضله، ولا ينقصهم من الموعود شيئا، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - حث المؤمنين بما ذكر من الفضيلة على صلاة الجماعة في حديث أبي هريرة على ما تبين له من أمر الله، ثم رأى أن الله تعالى من عليه وعلى أمته بالزيادة على الموعود، وذلك بجزئين على ما في حديث ابن عمر، فبشرهم به، وحثهم على الجماعة،

<<  <  ج: ص:  >  >>