للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذاك اختلاف ترتيب لا اختلاف تناقض، وهذا الذي ذكرناه هو الضابط في التوفيق بين الأحاديث التي توجد من هذا القبيل، والتوفيق بين الأحاديث المختلفة في الوعيد أيضا على هذا النمط، لأن الحكيم إذا زجر العباد عن أمر بنوع من الوعيد [١٠٠ م/ب] ثم زجرهم بما يزداد عليه، فالسبيل في الحديثين أن يكون الناقص متقدما والزائد متأخرا على ما ذكرناه في الوعد فإنه أبلغ في المعنى المراد منه وأدعى للعباد إلى ترك الأمر المزجور عنه.

وأما وجه قصر أبواب الفضيلة على خمس وعشرين تارة وعلى سبع وعشرين أخرى، فإن المرجع في حقيقة ذلك إلى علوم النبوءة التي قصرت عقول الألباء عن إدراك جملها وتفاصيلها، وسائغ من طريق التقريب والاحتمال أن يقال: وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - الفوائد المختصة بصلاة الجماعة تارة على ما في حديث أبي هريرة وتارة على ما في حديث ابن عمر فأخبر عنها على ما كوشف به، وذلك مثل فائدة اجتماع المصلين؛ وفائدة صفوفهم، وفائدة الاقتداء وفائدة إظهار شعار الإسلام وغير ذلك، وبعد هذا فللفهم في هذه العرضة مضطرب واسع، ولكن الأولى بنا أن نقف حيث أوقفنا الله تعالى ونسلم الأمر فيه إلى من كاشفه الله بحقائقه - صلى الله عليه وسلم - بمبلغ ما خصه به من المعاني.

[٧٢٣] ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ...) الحديث، صواب هذا اللفظ يحتطب وهذا الحديث على السياق الذي في المصابيح أخرجه البخاري في كتابه في باب (إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت) ففي بعض نسخه يتحطب على وزن التفعل، وفي بعضها يحتطب من الاحتطاب فعلمنا أن الغلط وقع من بعض رواة الحديث إذ التحطب على زنة التفعل لم نجده مستعملا في شيء من كلامهم وإنما يقال حطبت الحطب واحتطبته أي جمعته، وهذا التغليظ يحمله بعض أهل العلم على العموم في ترك صلاة الجماعة، وليس الأمر على ذلك بل المعنى به أهل النفاق في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه لم يكن ليتخلف عن الصلاة خلفه بالعلل الداحضة إلا المنافقون وهم الذين لا صلاة لهم بالحقيقة، ولو أحرقت عليهم بيوتهم كان أحقاء بذلك ومن الدليل على صحة ما ذهبنا إليه من التأويل قوله - صلى الله عليه وسلم - (أن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة ...) الحديث رواه مسلم في كتابه عن أبي هريرة على هذا السياق، ورواه أيضا عن ابن مسعود- رضي الله عنه- (١/أ) وفي روايته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لقوم يتخلفون عن الجمعة (لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال- يتخلفون عن الجمعة- بيوتهم)، وفيه: (لو يعلم أحدهم أنه عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين) العرق بفتح العين وسكون الراء:

<<  <  ج: ص:  >  >>