للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمنهم من يراه عزيمة، ولا شك أنه في الأصل رخصة، والذي يراه - أيضا رخصة: يرى إتيان هذه الرخصة أفضل.

ولما كان التعجيل في يومين رخصة، والرخص محتملة للمعاني التي ذكرناها - وقع قوله: {فلا إثم عليه} موقع البيان في إتيان الرخصة، وقوله: {ومن تأخر} موقع البيان لترك الرخصة، وإذا كانت الرخصة من هذا القبيل الذي لم يتبين لنا فضله على ما يخالفه - فلا شك أن الإتيان بالأتم والأكمل أولى وأفضل، والله أعلم.

ومن باب حرم مكة

(من الصحاح)

[١٩١٠] حديث ابن عباس - رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: (لا هجرة، ولكن جهاد ونية .... الحديث):

كان الهجرة إلى المدينة بعد أن هاجر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرضا على الؤمن المستطيع؛ ليكون في سعة من أمر دينة؛ فلا يمنعه عنه مانع، ولينصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إعلاء كلمة الله تعالى، وإظهار دينه، فينحاز إلى حزب الحق وأنصار دعوته، ويفترق فريق الباطل، فلا يكثر سوادهم، إلى غير ذلك من المعاني الموجبة لكمال الدين، فلما فتح مكة، وأظهره الله على الدين كله، أعلمهم بأن الهجرة المفروقة قد انقطعت، وأن السابقة بالهجرة قد انتهت وأن ليس لأحد بعد [٤٧ /ـ أ] أن ينال فضيلة الهجرة إليه، ولا أن ينازع المهاجرين في مراتبهم وحقوقهم.

وقوله: (لا هجرة): أي: لم تبق هجرة، ولكن يبقي جهاد ونية، فينالون بذلك الأجرة والفضل والغنيمة.

وفيه تنبيه على أنهم إذا حرصوا على الجهاد، وأحسنوا النية - أدركوا الكثير مما فاتهم بفوات الهجرة.

وفي قوله: (لا هجرة): تنبيه على الرخصة في ترك الهجرة، يعني: إلى المدينة لنصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأما الهجرة الهجرة التي تكون من المسلم لصلاح دينه، فإنها باقية يد الدهر.

وفيه: (وإذا استنفرتم فانفروا):

نفر القوم في الأمر نفورا: إذا تقدموا له، واجتمعوا، وهم النفير، وفي الحديث: (فنفرت لهم هذيل) أي: خرجت لقتالهم، والمعني: إذا سئلتم النفور وكلفتموه، فأجيبوا إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>