[٤٧٨١] حديث أنس- رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مثل أمتي مثل المطر ... الحديث) لا محمل لهذا الحديث على التردد في فضل الأول على الآخر، فإن القرن الأول هم المفضلون على سائر القرون، من غير مثنوية، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وفي الرابع اشتباه من قيل الراوي. وإنما المراد منه: نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة، والمطر ينبت الزرع في الأول، ثم يربيه عند استوائه على سوقه في الآخر، فلا يدرى أنفعه في الأول أجدى أم في الآخر، فكذلك هذه الأمة، أقام الدين منهم الأولون، ومهد قواعدها الآخرون.
وفيه إشارة إلى أن آخر هذه الأمة يعود في الخير والصلاح في آخر الأمر إلى ما كان النمط الأول، على ما ورد في الأحاديث عند خروج المهدي ونزول عيسي بن مريم- عليه الصلاة والسلام- بخلاف الأمم السالفة، فإنهم انقرضوا على تبديل من الدين، وتحريف من الكتاب {فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} أعاذنا الله من سوء السيرة، وقبح الأحدوثة.
هذا آخر ما تكفلت بشرحه من الكتاب، وتصديت لكشفه من فصل الخطاب، وتوخيت بيانه ببسط المقال في حل عقدة الإشكال مما تلفقته من أفواه الرجال، والتقطته من مصنفات أئمة الإسلام، وأعنت عليه من طريق الفهم وسبيل الإلهام، وهذا هو القدح المعلى، والقسط الأجزل في فتح الغلق عن جوامع الكلم التي هي درر الغيب ودور الوحي، تبرزت عن حجال الجلالة، وتماطرت في حريم الرسالة، جل موردها عن وصمة الجهالة، كما عز مصدرها عن سمة الإحالة، فهو الكلام الذي لم تكلمه فرطه، والحديث الذي لم يحدث به سقطة، طلع عن المطلع الذي عصم عن هبوة الهوى، ونبع عن المنبع الذي قدس عن القذر والقذى {وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحي}. فهذا هو الكلام الذي يحق أن يشرح فيعقل، والحديث الذي يجيب أن ينقل فيقبل:
تلك المكارم، لا قعبان من لبن .... شيبا بماء، فعادا بعد أبوالا