وفيه:(وكان يرقى من هذه الريح) الإشارة بهذه إلى جنس العلة التي كانوا يرونها الريح، وكأنهم كانوا يرون أن الخبل الذي يصيب الإنسان، والأدواء التي كانوا يرونها من مسة الجن، نفخة من نفخات الجن فيسمونها الريح:(ولقد سمعت قول الكهنة): يريد بذلك أنهم ينسبونك تارة إلى الكهانة وتارة إلى السحر، وتارة إلى الشعر، وقد سمعت مقالة أصحابها فما سمعت في سائر ما سمعت مثل كلامك، ولو كنت منهم لأشبه كلامك كلامهم، ثم إنهم كانوا يرون الكهان والسحرة والشعراء أهل البلاغة والمتصرفين في القول على أي أسلوب شاءوا. فأشار بقوله هذا إلى الإعجاز، أي: جاوز كلامك عن حد البلاغة، وأشار (بهؤلاء) إلى الكلمات. والعرب ربما استعملوها في غير العقلاء؛ وقد شهد به التنزيل، قال الله تعالى:{إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} وقال الشاعر:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام
ومنه:(ولقد بلغن ناعوس البحر) وفي كتاب المصابيح (بلغنا) وهو خطأ لا سبيل إلى تقويمه من طريق المعنى، والرواية لم ترد به، وناعوس البحر أيضا خطأ، وكذلك رواه مسلم في كتابه وغيره من أهل الحديث، وقد وهموا فيه؛ والظاهر أن سمع بعض الرواة أخطأ فيه فروى ملحونا، وهذه من الألفاظ التي لم تسمع في لغة العرب؛ والصواب فيه: قاموس البحر، وهو وسطه ومعظمه، من القمس وهو الغوص، والقماس: الغواص، وفي حديث المد والزجر:(قال ملك موكل بقاموس البحر) والمعنى أن كلماتك [٣٠٤] التي أسمعتنيها قد بلغن في البلاغة وغزارة المعنى قاموس لجة البحر ومعظمه.
وفي الفصل الذي في المعراج
(من الصحاح)
[٤٤٤٠] حديث مالك بن صعصعة- رضي الله عنه- (أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حدثهم عن ليلة أسري به: