النسبية. فإن قيل: فكيف التوفيق بين هذا الحديث، وبين حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره)؛ قلنا: نحمل ذلك على إنفاقها من النوع الذي سومحت فيه من غير استئذان وإلى هذا المعني أشار (- صلى الله عليه وسلم -) بقوله في حديث عائشة (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة) فإنها إذا تجاوزت الحد الذي لها في ذلك كانت مفسدة، ثم إن الأمر في ذلك راجع إلى عادة الناس باديهم وحاضرهم- فإنه قلما يوجد من ذوى الأموال من يعسر عليه أن يبذل الميسور من ماله بيت زوجته ومن يعوله من مواليه وخزنته، فيكون ذلك من جملة ماعفى عنه، وإن أنتهي الشح بصاحبه إلى المنع والتشدد حتى في الشيء التافه، فعلى المنفق أن ينتهي وعلى الآخذ أن يمتنع.
فإن قيل فكيف بحديث عمير مولى آبى اللحم (أمرني مولاي أن أقدد لحما فجاءني مسكين فأطعمته منه فعلم بذلك مولاي، فضربني فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فدعاه فقال: لم ضربته، قال: يعطي طعامي بغير أن آمره فقال: (الأجر بينكما).
قلنا لم يرد النبي (- صلى الله عليه وسلم -)[١٥٦/أ] بذلك إطلاق يد العبد في مال سيده، وإنما كره صنيع مولاه في ضربه العبد على الأمر الذي تبين رشده فيه، فحث السيد على اغتنام الأجر ورغبه فيه ولم يرد أن يمهد له فيما كان سبيله العفو والتسامح.
فإن قيل فهل يجوز أن يسكت النبي (- صلى الله عليه وسلم -) في موضع الحاجة إلى البيان. قلنا: قد بين ذلك في غير موضع، ومنه قوله (- صلى الله عليه وسلم -): العبد راع على مال سيده وهو مسئول عن رعيته.
وباب من لا يعبد في الصدقة
(من الصحاح)
[١٣٣٥] حديث عمر- رضي الله عنه:(حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده) أي: جعلت فرسا حمولة من لم يكن له حمولة من المجاهدين وأعطيته إياه (فأضاعه) أي: أساء سياسته والقيام بعلفه وسقيه وإرساله للرعي حتى صار كالشيء الهالك. والله تعالى أعلم.