وإذا وقعت عن الطيران وقعت على شرفات المسجد، وعلى بعض السطوح التي حول المسجد، ولا يقع على ظهر البيت مع خلوه عما ينفرها، وقد كنا نرى الحمامة منها أحيانا إذا مرضت، وانحص ريشها وتناثر- ترتفع من الأرض حتى إذا دنت من ظهر البيت ألقت نفسها على الميزاب أو على طرف ركن من الأركان فتلقاها زمانا طويلا جاثمة كهيئة المتخشع لا حراك فيها، ثم تتصوب منها بعد حين من غير أن تعلو شيئا من سقف البيت؛ وهذه حالة قد تدبرتها كرة بعد أخرى؛ فلم تختلف صيغتها وإذا كانت الطير مصروفة عن استعلاء البيت بالطبع فلا غرو أن يكون الإنسان ممنوعا عنه بالشرع؛ كرامة للبيت على ما ذكرناه.
ومن باب الستر
(من الصحاح)
[٥٠٦] حديث عائشة- رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في خميصة لها أعلام. الخميصة كساء أسود مربع له علمان؛ فإن لم يكن معلما فليس بخميصة؛ وعلى هذا التفسير فقول عائشة:(لها أعلام) على وجه البيان والتأكيد.
وفيه:(وائتوني بأنبجانية أبي جهم)؛ قيل: الأنبجاني من الثياب: المبتذلة الغليظة؛ تتخذ من الصوف، وذكر الخطابي في غريبه عن بعضهم أنها منسوبة إلى آذربيجان، وقد حذف بعض حروفها وبدل في التعريب.
قلت: والمشهور من العرب: كساء منبجاني؛ منسوب إلى منبج، ويفتحون الباء في النسبة، أخرجوه مخرج منطراني ومخبراني، وقد قيل: منبجاني وأنبجاني، وأصحاب الحديث يروونه بكسر الباء، وأهل اللغة بفتحها. وإنما بعثها إلى أبي جهم؛ لأن أبا جهم كان أهداها إليه، ونظر إلى أعلامها في الصلاة. كرهها لما وجد [٧٨ م/ب] من الرعونة وأنكرها قلبه المقدس فشغل بأفكار القلب عن قرة عينه في الصلاة فردها عليه وسأله أن يبعث بأنبجانية مكانها لئلا ينكسر قلبه وتشمئز نفسه لرد الهدية عليه. وأبو جهم هذا