للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في بعض طرقه في كتابه المرسوم بالمعجم الكبير: (فتخلف رجل عن أعيانهم) وهذا أشبه وأعدل من طريق من طريق المعنى وإن كانت الرواية الأولى أوثق من طريق السند. والمعنى: أنه سافر عن أصحابه حتى خلا بالسائل فأعطاه سرا.

[١٣١٣] ومنه: حديث أنس- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لما خلق الله الأرض جعلت تميد؛ فخلق الجبال فقال بها عليها) أي ضرب بالجبال على الأرض حتى استقرت، ذكر عن ابن الأنبارى أنه قال: يقول العرب: قال بمعنى تكلم وبمعنى أقبل وبمعنى أقبل وبمعنى مال وبمعنى ضرب وبمعنى استراح وبمعنى غلب.

وقال غيره: العرب تجعل القول عبارة عن كثير من الأفعال نحو قال برجله فمشى، وقال بيده فأخذ.

ومن هذا الباب قول القائل:

وقالت: له العينان سمعا وطاعة

أي: أومأت.

وفيه (يارب هل خلقك شيء أشد من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم تصدق صدقة بيمينه يخفيها من شماله) معناه- والله اعلم- أن نفس الإنسان جبلت على غرائز لا تملك النار حرها، ولا الماء بردها، وطبعت على ضرائب لا تستطيع الريح قهرها، ولا تقوى على مقاومتها الجرام، ولا تلين عريكتها الأركان، ولا تحمل على ما تأباه بالتشدد، ولا تمنع عما ترومه بالاحتيال، فهي أشد من كل شديد [١٥٤/أ] وأصعب مراما من كل متمرد، ومن طبعها إيثار السمعة وحب الثناء، وطلب التفوق على النظراء، فتظهر ما كان منها من البر لإدراك تلك الأغراض، فإذا سخرت تلك النفس لصاحبها تسخيرها يغلبها في تصرفاتها وردها عن طلباتها، كان الذي غلبها على تلك الخلال وزجرها عن مواقع الخلاف أغلب من كل غلاب، ومن طبعها إظهار الصدقة فإذا ملكها ابن آدم بحيث ما يخفي إظهارها بالطبع كان أشد من الريح. وقوله: (تصدق صدقة بيمينه يخفيها عن شماله) من مجاز القول الذي يقع موقع المبالغة في الإخفاء والله أعلم.

ومن باب إخفاء الصدقة

(من الصحاح)

[١٣١٤] حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى)

<<  <  ج: ص:  >  >>