للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن دفع الصدقة، ولم يكن ليأمره إلا وهو صحيح إليه. ثم سأله رجل آخر، فقال: إن كنت من الأصناف الثمانية .. الحديث، فرد بذلك حكم الصدقات إلى مارده الله إليه، فكل من وقع عليه اسم صنف من تلك الأصناف، فهو من أهل الصدقات، زمنا كان، أو صحيحا، شهد بذلك التنزيل، وحكم بصحته السنة، فقوله: (لا تحل الصدقة .. الحديث) ينزل منزلة الكراهة والتغليظ له؛ لئلا يتكل على صدقات الناس، ويزاحم ضعفاء الفقراء فيما هم أحق به منه، أي: لا تحل له من جميع الوجوه والأسباب التي يتكامل بها الاستحقاق.

قلت: وقد يقال: لا يحل لمسلم أن يبيت شبعان وجاره غرثان، وإلى نحو ما ذكرناه أشار الطحاوى في كتابيه: مشكل الآثار، وشرح الآثار، وقد رأيت تخريج معنى هذا الحديث على غير هذا الوجه أيضا وهو أن نقول حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه- هذا رواه شعبة ولم يرفعه، ورواه سفيان مرفوعا.

وروى أيضا عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: لاحق في الصدقة لغنى، ولا لقوى مكتسب وروى أيضا عنه: (لاحظ) وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بطرق كثيرة وأسانيد صحيحة: (لا تحل المسألة لغنى، ولا لذي مرة سوى) وقوله: (لا تحل الصدقة) لم يوجد إلا في الحديث الذي أوردناه، فلعل الراوي، أو بعض من سمعه من الرواة لم يفرق بين قوله: (لا تحل المسألة) وبين أن يقال: (لا تحل الصدقة) فرواه كذلك. وذكر أبو عيسي الترمذي في كتابه- بعد روايته هذا الحديث وذكره، اختلاف شعبه وسفيان- أن وجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم على المسألة.

قلت: وتحريم المسألة غير تحريم الصدقة، فنقول: إذا حرم المسألة على القوى المكتسب؛ لئلا يتخذ السؤال كسبا، ولا يتسع فيه، فإن السؤال مذلة، وليس للمؤمن أن يذل نفسه، إلا إذا لم يجد منه بدا، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر الفقراء بالتعفف ثم يسهم لهم من الصدقات، ولما كان القوم حديثي عهد بجاهلية، لم يتمرنوا على ترك الحظوظ العاجلة، ثم إن النفوس- لما جبلت عليه من حب المال- لو وكلت إلى ما في طباعها من الركون إلى الدنيا، لاسترسلت في الطمع، واشرأبت إلى السؤال واتخذته دأبا، ثم لم يزه ذلك إلا شرها ودناءة، اقتضى النظر النبوي أن يردعهم عن هذه الردغة، ويمنعهم عن هذه الردهة، لئلا يذهب بهم الهوى كل مذهب، فزجرهم عن السؤال كل مزجر، وأخبرهم أن السؤال شين في الوجه، وكدوح خموش يوم العرض الأكبر، ثم أوجب على أولى الأمر وذوى الأموال أن يوصلوا إليهم حقوقهم؛ لئلا يكون على المعطى حرج ولا على الآخذ منقصة.

ومن باب من تحل له المسألة

(من الصحاح)

[١٢٤٦] حديث قبيصة بن المخارق الهلالي- رضي الله عنه- قال: (تحملت حمالة) الحمالة بالفتح:

<<  <  ج: ص:  >  >>