للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يتحمله الإنسان عن القوم من الدية والغرامة، وصاحب الحمالة الذي أحل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة في حكم الإسلام- على ما ذكره في هذا الحديث- هو الذي يقع حرب بين فريقين فيسفك فيها الدماء، فيتحمل تلك الديات [١٤٦/ب] رجل ليصلح ذات البين.

وفيه (ورجل أصابته جانحة فاجتاحت ماله) أي: استأصلته. والجانحة: المصيبة تحل بالرجل في ماله، إما من سنة أو من فتنة، من الجوح والاستئصال. يقال: حاجتهم الجائحة، واجتاحتهم. وجاح الله- عز وجل- ماله، وأجاحه: أي: أهلكه بالجائحة.

وفيه: (قواما من عيش) أو قال: (سدادا). قوام الشيء: ما يقوم به. والسداد: ما يسد به الخلل، وبه سمى سداد الثغر وسداد القارورة؛ قال العربي:

أضاعوني، وأي فتي أضاعوا ..... ليوم كريهة، وسداد ثغر

والسين منه مكسورة، ومن فتح فقد أخطأ، فإنه بفتح السين مصدر قولك: سدد، أي فلان يسد، سدادا، وهو الصواب والقصد من القول والعمل. وفي حديث علي- رضي الله عنه-: (من تزوج ذات جمال ومال فقد أصاب سدادا من عوز) فمن الرواة من يفتح سينة اتباعا للراوية عن هشيم بن بشير، فإنه رواه كذلك، وقد لحنوه.

وفيه: (حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجي) أي: من ذوي العقل، فإن قيل: ما وجه التنصيص على: (ثلاثة من ذوي الحجي) في الإعلام بأمر من أصابته الجائحة؟ قلنا: نحن وإن علمنا أن الخلق عبيد الله، يتعبدهم بما يشاء من أمره، فله أن يجعل الحجة في هذه القضية مثبتة بثلاثة كما جعلها مثبتة في هلال رمضان بواحد، وفي الحقوق الواجبة باثنين، وفي الزنا بأربعة، ولكنا وجدنا تلك الصور مثبتة بصريح الحكم، مبنية على النصوص المبنية، ووجدنا الأمر في هذا الحديث معدولا به عن صيغة الشهادة، ثم إنا وجدنا الأحكام الراجعة إلى الدماء والأموال والفروج مثبتة بشهادة اثنين، وليس الأمر فيها بأيسر من الأمر في هذه القضية، بل هذه أقرب- فيما يهتدي إليه من النظر- إلى التسامح والتساهل فيها، فالوجه فيه: أنه جعل الأمر فيه إلى ثلاثة من طريق الاستحباب، لا من طريق الوجوب؛ ليكون ذلك إبراء للسائل عن التهم فيما يدعيه، وأبلغ في الزجر له عن السؤال، يجد بدا عن الخوض فيه، وأصون لغرضه، وأنقى لمروءته، وأدعى الناس إلى قضاء حاجته، وسد خلته، لاسيما إذا كانوا من ذوى الأقدار والعقول حتى يكفى.

<<  <  ج: ص:  >  >>