(الأكثرون) ذهبوا إلى حديثهما وقد قال الخطابي: مذهب من ذهب إلى حديث عمار أصح في الرواية ومذهب من يخالفهم أشبه بالأصول وأصح في القياس فإن قيل كيف تخالفون حديث عمار وقد عرفتم صحته وإذا أخذتم بحديث ابن عمر مع ضعف إسناده من قبل محمد بن ثابت العبدي وبحديث الأسلع مع (٦٠/أ) ضعف إسناده من قبل الربيع بن بدر إذ لم يروه عن أسلع غيره وهو من الضعفاء فأني لكم بالتوفيق بين الحديثين وحديث عمار.
قلنا: الأخذ بهما أحوط؛ لأن المتيمم إذا تيمم بضربتين ومسح بإحدايهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين أجزأه ذلك وسقط عنه الفرض بالإجماع، ولا كذلك من مسح وجهه وكفيه بضربة واحدة. وأما التوفيق بين المختلفين فهو أن يقال يحتمل أن الأمر كان على ذلك في أول ما شرع التيمم ثم صار إلى ما أخبرا عنه، فإن قيل: فلم لا تقدرون الأمر على خلاف ذلك.
قلنا: لأنا قد عرفنا من حديث عمار أن أحكام التيمم لم تكن مستفيضة فيما بينهم حينئذ وذلك ينبثنا عن تقدم حديث عمار والتيمم شرع في غزوة المريسيع في السنة الخامسة من الهجرة وكان إسلام بني تميم متأخرا وأول ما قدم وقد بني تميم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قيس بن عاصم المنقري التميمي في السنة التاسعة وهذا الذي ذكرناه وإن لم يبلغ مبلغ الفصل والقطع، فإنه كالسناد لما قدمناه، هذا وقد قال أبو جعفر الطحاوي: رأينا الوجه يمسح بالصعيد كما يغسل بالماء، ورأينا الرأس والرجلين مما لا يمسحان فكان ما سقط التيمم عن بعضه سقط عن كله وكان ما وجب فيه التيمم كان كالوضوء سواء؛ لأن جعل بدلا منه.
ومن باب الغسل المسنون
(من الصحاح)
[٣٥٠] حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) قيل معناه وجوب الاختيار والاستحباب دون وجوب الفرض كما يقال (فلان يجب علينا رعايته فلت وإنما يذكر أمثال ذلك بلفظ الوجوب على وجه التأكيد والمبالغة في الاستحباب وقد كان القوم عمال أنفسهم يعملون في المهنة ويلبسون الصوف وكان المسجد [...] مقارب السقف فإذا عرفوا تأذى بعضهم برائحة بعض فندبهم إلى الاغتسال بلفظ الوجوب ليكون أدعى إلى الإجابة. قد علم هذا المعنى بالأخبار التي تنفى الوجوب وقد أتى العلماء على جميع ذلك شرحا وبيانا، فإن قيل: فماذا يقولون في قوله - صلى الله عليه وسلم - (غسل الجمعة واجب كغسل الجنابة)؟ قلنا: معناه كصفة غسل الجنابة أدخل الكاف فيه لبيان صيغة غسل الجمعة لا لبيان الوجوب كأنه قال: وهو كغسل الجنابة.