للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن كتاب الصوم

(من الصحاح)

[١٣٣٧] حديث أبى هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -): (إذا دخل رمضان فتحت أبوا السماء ...) الحديث.

(فتحت أبواب السماء) عبارة عن تنزل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد، تارة ببذل التوفيق وأخرى بحسن القبول عنهم والمن عليهم بتضعيف الثواب وإيتاء ليلة القدر، وفي رواية: (فتحت أبواب الجنة) وكلتا الراويتين متقاربتان في المعنى، والرواية في فتحت بالتخفيف أكثر، وقد قرئ في التنزيل بالتشديد وبالتخفيف، والتشديد أبلغ وأكثر، ويحتمل أن يكون المانع من ورده في الحديث بالتشديد هو أنه حكاية عما يبذل لهم منها في هذه الدار، والفتح كل الفتح إنما يكون في الآخرة للدخول والاستقرار فيها. وقوله في غير هذه الرواية: (فلم يغلق منها باب) يؤيد رواية من رواه بالتشديد.

وفيه: (غلقت أبواو جهنم) وذلك كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الفواحش والتخلص من البواعث على المعاصى بقمع الشهوات، وإنما قال غلقت بالتشديد ولم يقل أغلقت؛ إرادة للمبالغة في إتمام هذه المنة على الصوام [١٥٦/ب].

فإن قيل ما منعكم أن تحملوه على ظاهر المعنى؛ قلنا: لأنه ذكر على سبيل المن على صوام شهر رمضان وإتمام النعمة عليهم فيما أمروا به وندبوا إليه، حتى صارت الجنان في هذا الشهر كأن أبوابها فتحت ونعمها أبيحت، والنيران كأن أبوابها غلقت وأنكالها عطلت، والفائدة في ذلك بينة ظاهرة. وإذا ذهبنا فيه إلى الظاهر لم تقع المنة موقعها من الأول بل تخلو عن الفائدة؛ لأن الإنسان مادام في هذه الدار فإنه غير ميسر لدخول إحدى الدارين، فأي فائدة في فتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار، اللهم أن يحمل الأمر فيهما، على الظاهر على أنه تحقيق المعني وتقرير أن يكون المفتوحة في المعنى مفتوحة في ظاهر الأمر، وعلى هذا المغلقة، أو يحمل ذلك على أن الأمر في كليهما متعلق بمن مات من صوام رمضان من صالحي أهل الإيمان وعصاتهم الذين استحقوا العقوبة، فإذا فتحت على أولئك تلك الأبواب كل الفتح أتاهم من روحها ونعيمها فوق ما كان يأتيهم، وإذا غلقت عن الآخرين أبواب النار لم يصيبهم من لفحها ومن سمومها؛ تنبيها على بركة هذا الشهر المبارك وتبينا لنا فنره.

وفيه (وصفدت الشياطين) الصفد والصفاد: ما يوثق به الأسير من قد وقيد وغل، وصفده أي: شده وأوثقه وكذلك التصفيد. ولنا أن نحمل ذلك على ظاهره كما نحمل قوله سبحانه {وآخرين مقرنين في الأصفاد} على الظاهر، فإن قال قائل: فما أمارة ذلك ونحن نرى الفاسق في رمضان قلما يرعوي عن

<<  <  ج: ص:  >  >>